لماذا نفشل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

السؤال الذي يتكرر؛ لماذا نحن في هذا الوضع؟ لماذا العالم العربي يتراجع فيما يتقدم العالم؟! حتى الربيع العربي أصبح وهماً وتحول إلى خريف شاحب يقضي على الأخضر واليابس. مجلة الإيكونوميست وصفته بالتراجيديا العربية، وتساءلت كيف يمكن لهذه الشعوب التي كونت حضارات كبيرة وخدمت الإنسانية باختراعاتها وعلمائها أن ينتهي بها المطاف ودولها تتساقط وتتفتت، وأصبحت جماعات متشددة تسيطر على مدن وتلغي الحدود!

هو بالفعل واقع محزن، وتقرير مجلة الإيكونوميست اعتبر أن التفسيرات الحديثة للإسلام هي من صميم المشاكل العميقة للعرب، لأن الإيمان الذي يسعى له العديدون هو في الجمع بين السلطة الروحية والدينية، ما أدى إلى توقف تطور المؤسسات السياسية المستقلة. وقالت المجلة إن التطرف الديني هو وسيلة للتعبير عن البؤس وليس السبب الأساسي فيه، واستشهدت بالديمقراطيات الموجودة في دول إسلامية مثل إندونيسيا، وقالت إنها ناجحة وبخير.

ورغم أن التقرير يقدم نظرة تحليلية عميقة للوضع العربي، إلا أنه أغفل قضية التعليم في العالم العربي، وهي في اعتقادي ساهمت في دفع الأوضاع العربية إلى ما هي عليه الآن. فارتفاع نسب الأمية وضعف مستوى التعليم وغياب الاستراتيجيات التربوية المعالجة للقضايا الأساسية، ساهم في بناء جيل ضعيف وسهل الاختطاف. وما نجنيه اليوم هو حصاد ضعف المؤسسات التعليمية، واعتمادها على التلقين والحفظ، وتجاهل بناء الفكر والشخصية.

ويتفق معظم الدراسات على أن مشكلة التعليم هي عدم مواءمة مخرجاته مع متطلبات التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي، وهذا يولد فجوة بين ما يتعلمه الطالب في المدرسة وما يعيشه في المجتمع.

ويطرح حالياً مصطلح مجتمع المعرفة، ويرى البعض أن تطور وانتشار شبكات الاتصال وانخراط المجتمع في شبكات التواصل الاجتماعي، مؤشر على وجود مجتمع معرفي، وهذه صورة غير دقيقة. فمجتمع المعرفة يتطلب ثقافة جديدة، تعتمد على القدرة في التحليل واستخلاص الآراء المناسبة والتفاعل الإيجابي مع الآخر.

والقضية لا تقف عند الميزانيات رغم أهميتها، فتقرير لمنظمة اليونسكو يوضح أن هناك هدراً ضخماً في ميزانيات التعليم لعدم القدرة على استغلالها بالشكل الصحيح، وأن ضمان المساواة في إعطاء الفرص للجميع من التعليم الجيد، سيولد منافع اقتصادية تزيد الناتج المحلي بنسبة 23%.

ويرى خبراء أن مشكلة التعليم في الدول العربية هي التركيز على الجانب النظري والتقليدية في وسائل التعليم التي تعتمد على الحفظ، بينما تتجاهل المهارات التعليمية وبناء الفكر والشخصية المستقلة. أي كما يصفها أحد الخبراء التربويين؛ تذكر المعرفة وليس إنتاج المعرفة.

إن التركيز على التعليم ككم وليس كنوعية، أدى إلى تكدس المدارس والجامعات بأعداد هائلة من الطلبة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن المستوى الأكاديمي لهؤلاء الطلبة. عندما يتخرج الطالب في الجامعة ويكون مستواه الثقافي والأكاديمي بسيطاً، يصبح عالة على مؤسسات الدولة.

فالقطاع الخاص لن يستوعب مثل هؤلاء الخريجين لأنه يحرص على الكفاءة الجيدة، وبطبيعة الحال لن تستطع الدولة أن توفر فرص عمل لكل هؤلاء الخريجين، ولهذا نجد أرقام العاطلين في الدول العربية مرتفعة، بينما معدلات النمو السكاني تعتبر الأعلى في العالم، وهذا يجعل مستقبل المنطقة محفوفاً بالمخاطر. فالبطالة قنبلة ملغومة، من الممكن أن تنفجر في أي لحظة ويذهب ضحيتها المجتمع والدولة.

إن انتشار الطائفية والمناطقية والعرقية، هو نتيجة لعوامل عدة من أهمها ضعف مستوى التعليم وغياب العمق الثقافي عند الأفراد. وكلما زادت هذه الأمراض الخبيثة في المجتمع كانت مؤشراً واضحاً على ضعف التعليم، بغض النظر عن أرقام المتعلمين.

عندما تغيب العقلية النقدية وتصبح السلبية هي السائدة في تفكير الشخص، يتضح فشل التعليم في تحقيق الأهداف المطلوبة.

حينما يصبح الشخص مهزوما من داخله وفاقد القدرة على اتخاذ القرار الصائب، لأننا عودناه على العيش في القوالب الجامدة والحدود المؤطرة، فإنه هو نفسه ضحية مجتمع قاس وتعليم فاشل.

وذلك فوجئت أسر بأبنائها المتعلمين والحاصلين على الشهادة الجامعية، وقد ذهبوا للقتال في مناطق الصراع في سوريا والعراق تحت مسمى »الجهاد«، وأصبحوا ضحايا في صراعات ليس لهم بها علاقة وإنما غرر بهم. ونظراً لأن تعليمهم كما ذكرنا كان مبنياً على الحفظ والتلقين، فكان تفكيره المنطقي مغيباً وبالتالي أصبح سهل الانقياد.

ونحن نعرف أن الإنسان في مرات كثيرة هو عدو نفسه، وهذا نتيجة الثقافة المنعدمة والتعليم المهترئ. المؤسسات التعليمية مطلوب منها أن تبني منظومتها على إعطاء الطالب الاستقلالية والتعرف إلى الحضارات والمجتمعات الأخرى، والاهتمام باللغات والتركيز على طرح الأسئلة والحوار. هذه هي الوسائل التي تبني الحصانة للطالب ضد أي انحراف أو تطرف أخلاقي أو أصولي متشدد.

التحدي هو في تطوير التعليم الذي يبنى على تكوين الملكات الابتكارية، والتي تصنع شخصية مستقلة تحترم الاختلاف وتعتمد على التحليل والمنطق. ومتى ما استطاع التعليم أن يبني الأسس المتينة للطالب، فهذا سينعكس على الدقة والالتزام والمهنية والتطوير المستمر. من الظلم أن نصف أبناءنا بأنهم غير قادرين على الإبداع، فالذكاء الفطري لدى الفرد العربي يسبق غيره، ولكن الذكاء وحده لا يكفي إذا لم يقترن بالتعليم المناسب والتطوير المستمر.

الفشل العربي هو نتيجة ندفع ثمنها اليوم، ومن السذاجة أن نعلق أخطاءنا على شماعة الآخرين وترديد نظريات المؤامرة والاستعمار.. »إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم«. ولذلك الرهان هو في قدرتنا على التغيير وصنع المعادلة الصحيحة في التعليم، لنضمن مستقبلاً يحمي مكتسباتنا، ويجعلنا أمة قادرة على صنع المستقبل، بدلاً من العيش على هامش الأحداث.

Email