لماذا استهداف السعودية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرضت السعودية لعملية إرهابية ذهب ضحيتها أربعة من رجال الأمن السعوديين، في منطقة الوديعة على الحدود السعودية اليمنية. وكشفت العملية عن الرغبة الدفينة والدائمة للجماعات المتطرفة، لزعزعة الاستقرار السعودي. وكان بعض من المشاركين في العملية الإرهابية موجوداً في قائمة المطلوب القبض عليهم، التي أصدرتها الداخلية السعودية.

وقد عانت السعودية من الإرهاب كثيراً، وذهب ضحيته سعوديون وأجانب، والقاسم المشترك بين هذه العمليات هو استهداف السعودية. ومن يرصد العمليات الإرهابية التي تستهدف السعودية، أو حتى محاولات تهريب المخدرات إلى داخل المملكة بكميات هائلة، يجد الدليل على استهداف السعودية.

وبغض النظر عن نظرية المؤامرة، فهناك حقائق وتصريحات لمسؤولين سعوديين تؤكد أن السعودية مستهدفة، والمشكلة أن هناك من يتورط من أبنائها في هذا الاستهداف، وفي الغالب عن حسن نية وقصر نظر.

واستهداف القاعدة للسعودية تحديداً له امتداد تاريخي، سواء في العمليات الإرهابية داخل السعودية، أو في استخدام السعوديين كمنفذين، كما حدث في 11 سبتمبر في نيويورك. وهو أمر لم يكن وليد الصدفة، فوضع السعودية الديني كحاضنة للحرمين الشريفين، وحجمها الاقتصادي الضخم، ودورها السياسي في المنطقة، تجعلها عرضة للاستهداف ومنطقة مغرية للدخول إليها، مع الأرضية التي تعتقد الجماعات الإرهابية وجودها في المجتمع السعودي، بحكم أنه محافظ ولديه عاطفة كبيرة ومتأججة تجاه دينه ومعتقده.

وقد نجحت السعودية في تقليل وإفشال الكثير من العمليات الإرهابية قبل وقوعها، ومحاصرة الخلايا الإرهابية والتخلص منها، وحققت نجاحاً أمنياً ملفتاً للانتباه، وتجربة تدرسها الدول للاستفادة منها. ورغم النجاح الأمني إلا أن الجانب الفكري ما زال أمامه مشوار طويل حتى يحقق الأهداف والنتائج المأمولة، وهو مشروع متكامل يتطلب مشاركة الجميع، لأن الوطن للجميع ولا مجال للمزايدات في مستقبل مصيري.

وكان العاهل السعودي أصدر أمراً بتجريم كل من يشارك في الأعمال القتالية خارج السعودية من المواطنين، سواء بالعمل المباشر أو الدعم المادي أو المعنوي. وهي خطوة مهمة بعد تردد أنباء عن وجود شباب سعوديين مغرر بهم يقاتلون في حروب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، حروب تدار من الخارج وقودها أبناء الوطن.

الحرب على الإرهاب مسؤولية عالمية، ولذلك كانت مبادرة السعودية بتأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، خطوة مهمة لتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي على مستوى العالم ضد الإرهاب.

فقد اكتشف العالم أن الإرهاب لا يعترف بحدود ولا دين ولا معتقد، وبالتالي فهو مسؤولية عالمية. والتجربة السعودية في مراكز المناصحة التي تهدف لمحاربة الفكر بالفكر، وتسعى لإعادة الذين ضلوا الطريق ليعودوا إلى جادة الصواب، خطوة مهمة وتوضح أهمية المناقشة والحوار مع الآخرين. الإرهاب لا يتمثل فقط في التفجير والقتل، بل هناك إرهاب الفكر الذي يجعل الشخص متهماً ومحاكماً من قبل أطراف تدعي أنها هي التي تمتلك الحقيقة، وتمارس دور الوصاية على الناس بشكل يجعل الأفراد سلبيين وغير قادرين على الفكر المستقل.

هذا الإرهاب الفكري خطورته انه يغرس في النشء، فيكون لديك جيل مستسلم للإرهاب الفكري غير قادر على المبادرة والاستقلالية. ومثل هذا الجيل يكون من السهل جرفه في أي تيار، سواء تيار أصولي متشدد يحوله إلى لغم متفجر وحزام ناسف، أو حتى في الانحراف والانحلال حينما ينتقل لمجتمعات منفتحة، فيكون رد الفعل إما انغلاق كامل أو انحلال مدمر، وكلاهما مرفوض ومنبوذ.

وإذا حاولنا أن ندرس طبيعة المجتمع بدءاً من الأسرة الصغيرة إلى المدرسة والمجتمع، سنجد ثقافة العيب والانتقاد التي تعزز الظلم والاستعباد، حيناً يحرم الطفل الصغير من السؤال ويواجه بالتأنيب والعقاب، فإننا نصنع نواة إرهابي في المستقبل.

ومحاربة الإرهاب هي محاربة فكر في البداية، فالابتلاء ليس فقط بمن يتلبس بالدين لغايات سياسية ومنافع شخصية، بل أيضاً الإشكالية في انتشار النفاق والتملق، حتى في شرائح تدعي الليبرالية والبراغماتية، لمصالح شخصية تجعل ظاهرة الوصولية والانتهازية ملموسة في المجتمع، من مبدأ ميكافيللي بشع للوصول للغاية أياً كانت الوسيلة.

السعودية بلد مستهدف، والتعليم جزء أساس في حل الإشكالية، ودوره مهم في تحقيق نقلة نوعية في المجتمع.

فالتنمية الأساسية ليست بناء الشوارع والمدن، بل هي بناء الإنسان. وهناك مشروع ضخم أطلق أخيراً لتطوير التعليم في السعودية، ويجب أن يكون الهدف منه ليس المباني والملاعب فقط، بل بناء الفكر المستقل والمتوازن وتشجيع الإبداع والتجديد.

مطلوب مشروع نهضوي يخاطب النشء والشباب، وقد كان وزير التربية والتعليم السعودي الأمير خالد الفيصل صريحاً حينما قال إن التعليم في المملكة كان في أيدي أصحاب الفكر المتشدد، وأضاف »كان مجال التعليم بأكمله لهم، ولم يكن هناك مجال للفكر السعودي المعتدل ومنهج الاعتدال.. تخلينا عن أبنائنا فاختطفوهم«، وأوضح أن الوزارة ستسعى لبناء الحضارة على منهج الاعتدال السعودي. وفي الحقيقة، هنا مربط الفرس.

فمنهج الاعتدال هو الذي يتيح مساحة كافية لهامش الإبداع والاختلاف والابتكار، وسينعكس على المجتمع حضارياً واجتماعياً واقتصادياً.

Email