العالم يتأمل الهجرة المعاكسة للعقول

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس مستغرباً أن يترك مقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والذي كان بعنوان «الهجرة المعاكسة للعقول»، تأثيراً عالمياً مدوياً لايزال يكتب فصول صداه الإيجابي في شتى أنحاء العالم، ذلك أن المقال تناقلته أقلام 16 لغة بالترجمة والدراسة والتحليل في 49 بلداً حول العالم، كما تم نشره في 59 صحيفة عالمية، وذلك خلال أسبوع واحد فقط من ظهوره الأول.

وليس مستغرباً ولا مستبعداً أن الأثر الإيجابي الذي تركه، سيستمر في جذب المزيد من العقول لتطالع فكرة المقال وقراءته لحركة التاريخ والإنسان، في سرد بسيط مدعوم بالشواهد الإحصائية، مكلل بإصرار صاحب الحلم على تحقيق حلمه، حين كان شاباً يرى العقول العربية تهاجر إلى خارج أوطانها بحثاً عن لقمة العيش، لتصبح دولة الإمارات الوجهة الأولى عالمياً في جذب العقول من شتى أنحاء العالم.

لم يترك سموه في هذا المقال الفريد، هذه الظاهرة من دون تبرير منطقي استند إليه في تقرير حقيقة آمن بها سموه ونشأت عليها دولة الإمارات منذ الاتحاد، تلك الحقيقة التي ترى في الإنسان أساس البنيان وعماد الحضارة ومقصدها وغايتها، وقرر سموه هذه الفكرة في قانون إنساني مطّرد، حين قال إن «الأمم العاقلة هي الأمم التي تؤمن بالإنسان وبقيمته، وبأن رأسمال مستقبلها الحقيقي في عقل هذا الإنسان وأفكاره وإبداعاته».

هذه الفكرة المثالية الناضجة الواعية في النظر إلى الحضارة وتركيبتها وجوهرها الأخلاقي، كانت كفيلة بقلب موازين تيارات العقول والتحكم في رياحها هبوباً واستقراراً، لأنها تحترم في الإنسان ثمرة عقله، وحصيلة إبداعه، وكرامة عيشه، فلمَ لا تكون وجهة حياته وموئل أبنائه وأحفاده! بهذه البساطة والوضوح جزم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، بأن تثبيت العقول هو الطريق للخروج من عنق الزجاجة والحلقة المفرغة التي تعيش فيها بلداننا العربية، حيث تنفق مواردها على بناء العقول وتطويرها وتأهيلها، ثم لا تلبث تلك العقول بعد تخرجها الأكاديمي أن تبحث لها عن مكان تجد فيه أفضل استثمار لعقولها، فلا تجده إلا في الخارج وتبقى دولنا في الدوامة ذاتها.

وضع سموه أرضية واضحة لتثبيت هذه العقول في البلاد الراغبة في بقاء عقول أبنائها فيها، فضلاً عن جذب العقول من شتى أنحاء العالم إليها، فأكد سموه أنها تدور حول عدة أسس أهمها خلق الفرص، وتوفير البيئة المثالية للنمو والتطور، وتوفير البيئة المثالية للاستثمار وإدارة الأعمال، وأجواء عالية من الشفافية والحوكمة الرشيدة وتساوي الفرص أمام الجميع.

بهذه المعايير الإنسانية الكبرى، استطاعت دولة الإمارات تسيير دفة العقول نحوها، في براعة إبداعية تحترم الإنسان، وتعلي من شأن العقول وأصحاب المواهب والإبداعات، وتصون للجميع حركة العمل وكرامة العيش وأهلية المنافسة، في بيئة حرة مصانة بمظلة قانونية شفافة تقبل الجميع ويقف الجميع أمامها سواء.

وهذا القدر العظيم من الوقائع يشهد بمصداقيته كل وافد وزائر ومقيم على أرض الإمارات المعطاء، وهو يرى أبناء الإمارات الذين تربوا في مدرسة التقدير الإنساني الكبير لجميع بني البشر، يحتضنونهم بقلوب مستبشرة وعقول متفتحة ونفوس تقدر قيمة الإنسان أولاً وقبل كل شيء.

إن وصول دولة الإمارات إلى هذه المرتبة العالمية، باعتبارها وجهة البحث عن فرص العيش الكريم والحياة الراقية واحترام إنسانية الإنسان وإبداعات عقله، جاء نتيجة عمل دؤوب متواصل من الحكومة والقيادة الرشيدة بلا أدنى شك، وكما قال سموه فإن «القدرة على استقطاب أفضل العقول هي أحد النواتج الرئيسة لعمل الحكومات على تحسين ظروف المعيشة ونوعية الحياة في بلدانها، سواء لمواطنيها أو للقادمين إليها، وعندما يكون هدف الحكومة تحقيق السعادة للمجتمع، فتأكد تماما أن السعادة مُعدية وجاذبة للمزيد من البشر».

Email