الإعلام الاجتماعي.. تكريم الأنفع للناس

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواصل وإبداع وتأثير.. ثلاثة معايير توزن من خلالها مساهمات المشاركين في حقول مواقع التواصل الاجتماعي، ضمن جائزة جديدة أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وسمّاها «الجائزة العربية للإعلام الاجتماعي»، لتكون منبراً جديداً يتنافس فيه المتنافسون في الخير، ويتسابق في ميدانها المتسابقون في النفع الاجتماعي، ويساهم من خلالها المساهمون في بناء الأوطان لا هدمها، وفي صيانة المكتسبات لا تضييعها، وفي رأب الصدوع الاجتماعية لا تعميقها بالخلافات والمهاترات والبحث في المثالب والهفوات.

مبادرة إبداعية في زمن أصبح فيه عالم التواصل الاجتماعي، عبر بوابات تويتر وفيسبوك ويوتيوب وغيرها، مفتوحاً على المجتمعات العريضة الممتدة بغير حدود، والتي تقترب من كل هموم الناس، ويتقاسم فيها المشاركون أفكارهم وتوجهاتهم وعطاءهم وأحلامهم، كما يمكن أن ينفذ من خلالها البعض الآخر ليصطاد عبر شبكاتها الكثير من العقول الضعيفة، فيبني فيها أعشاش الظلام وينسج حولها خيوط التخلف، مستخدماً مع الأسف الأدوات نفسها.

هذه الغصة بدت واضحة في كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حين أطلق هذه المبادرة الإبداعية من خلال هذه الجائزة، فأعقبها معلقاً: «حتى اليوم لم يستفد عالمنا العربي بشكل كامل من القدرات الهائلة والإيجابية لشبكات التواصل»، لأن سموه يرى ويتابع، وهو الخبير في هذه الأمور، أن هذه المنابر الحرة الطليقة لم تقدم للعالم العربي الكثير من التقدم، بل على العكس جرّت على الكثير من البلدان الويلات والاضطرابات والآلام، عبر منافذ كان يفترض أن تكون أبواباً للخير الوفير والنهل من الحضارة والتقدم والعلوم الحديثة.

ولذلك حدد سموه بوضوح كيف ينظر إلى الإعلام الاجتماعي ومواقع التواصل فيه، حين قال: «نظرتنا للإعلام الاجتماعي بأنه وسيلة بناء حضاري جديدة، والبعض يستخدمه لبناء وطنه وآخرون لهدم مكتسباته».

نشعر مع سموه بالغصة ذاتها ونحن نرى الكثير من هذه المنابر أضحى معاول هدم، دمرت الكثير من الأسر والمجتمعات، وانحرفت عن مقصدها، أو ما يمكن أن ينال من خير فيها.. ونشعر بتلك الغصة ونحن نرى الحرية الإعلامية المفتوحة على مصاريعها عبر الفضاء الإلكتروني، والقدرة على الوصول إلى الحقائق من مصادر كثيرة، لم تزد البعض إلا جهلاً لأنهم حبسوا أنفسهم في المرجعيات ذاتها، والتحليلات نفسها، ولم تزدهم هذه القنوات المفتوحة على العالم إلا تقوقعاً أكثر، وانحيازاً أشد للأفكار المغبرّة غير الواقعية، وأسهمت بأيديهم في تفكيك المجتمعات لا بنائها.

لا يمكن أن يتخيل أحد أن مواقع التواصل الاجتماعي ستفعل فعل السحر في المجتمعات، إذا لاحظنا أنها لا تعدو كونها أدوات، من استخدمها بإبداع وخير نال منها الخير الوفير، ومن استخدمها بخبث وشر مرر من خلالها الشر الكثير، والأدوات في النهاية تبع لمن يمسك بها، ويتعاطى معها.

ونستغفل أنفسنا ومجتمعاتنا إن زعمنا أن هذه المجتمعات يمكن أن تعيش منعزلة عن هذه القنوات التواصلية، لأنها أصبحت الخبز اليومي لأولادنا وشبابنا، شئنا أم أبينا، إلا أن الحكمة تقتضي أن نهيئ أنفسنا لاستثمار هذه المنابر أحسن استثمار، ولا نترك الميدان لأصحاب الأفكار المشوشة أن يمرروا أوهامهم إلى أبنائنا وإخواننا، فكل كلمة في الخير والعطاء والبناء ستثمر ولو بعد حين.

ولا يقُل أحد ما الذي سأفعله أنا، فـ«أنا» في المجتمع كثير، ولذلك لم تترك الجائزة التي أطلقها سموه، باباً من أبواب الحياة إلا وفتحت فيه مشروع فوز اجتماعي وتكريم، بدءاً من الجهات الحكومية إلى القطاع الخاص والمدونات والإعلام والرياضة والتسامح وخدمة المجتمع والتعليم والشباب والتكنولوجيا، وريادة الأعمال والاقتصاد والسياسة والصحة، والفنون والأمن والسلامة والتسوق والبيئة والسياحة والترفيه... ليقول لكل فرد أينما تجد نفسك فالمجتمع يحتاجك، وحيثما ترى عطاءك فلن تعدم خيره عاجلاً أو آجلاً، متمثلاً قوله تعالى: ((فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)).

Email