شدّ الحبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

 «شو هاي التأمين التعيس».. يخرج المريض صاباًّ جام غضبه على شركة التأمين لعدم حصوله على الموافقة لطلب إجراء عملية. وأيضا جهة عمله بسبب تعاقدها مع شركة التأمين المعنية! هل يوجد خلل أم هي فقط عملية إدراك منظومة التشابك بين الأطراف الأربعة: المريض، المستشفى، شركة التأمين، وجهة العمل؟!

الطرف الأول، هو المريض. فعند تعرض الفرد أو أسرته لعرض أو مرض ما، يتوجه إلى المستشفى/ العيادة، وبمجرد دخول المريض يبدأ تفعيل الطرف الثاني (المستشفى). هناك ثلاث محطات يمر بها المريض داخل المستشفى: غرفة الطبيب، ومركز الفحوصات (دم أو أشعة)، والصيدلية. من ثم يتوجه المريض إلى منصة الدفع، ويتم إعطاء بطاقة التأمين وبها يفعّل الطرف الثالث (شركة التأمين). لنقف لحظة ونسأل: إذن أين المشكلة؟

هي في المحطات الثلاث. كل محطة تعتبر مصدر دخل للمستشفى، وبالتالي يؤخذ بالمريض وبشكل شبه إلزامي إلى كل محطة، والمضحك المبكي أن هرم المحطات الثلاث يكون مقلوباً عند شركة التأمين، بمعنى أن كل محطة تعتبر مصدر استنزاف، وبالتالي تحاول الشركة قدر المستطاع طلب تقارير من المستشفى، لتبرير كل استشارة وفحص ودواء.

هنا تجب ملاحظة نقطة مهمة؛ ربحية المستشفى تعتمد على إبراز أكبر عدد من الفواتير، وفي المقابل ربحية شركة التأمين تعتمد على دفع أقل عدد من الفواتير. إذن، المستشفى وشركة التأمين يعتمدان على لعبة شدّ الحبل. ولكن من أين أتت شركة التأمين بهذه الأموال؟

الطرف الرابع (جهة عمل المريض)، هو مصدر هذا التمويل. وهنا بيت القصيد، فجهة العمل هي التي تدفع عن كل موظف وعائلته (من خلال شركة التأمين). إذن، أين المشكلة؟ طبيعي أن جهة العمل تتكفل بعلاج وصحة موظفيها وعوائلهم! هناك تداخل معقد بين الأطراف الأربعة، سأذكر نوعين من التداخل والأثر المترتب لكل منهما.

النوع الأول عندما يكون المريض مصدر الاستنزاف نتيجة كثرة استخدامه للمرافق الصحية، سواء لمرض بسيط أو عضال. هذا سيزيد من فواتير المستشفى بشكل كبير، وبالتالي مطالباتها لشركة التأمين ستزيد. وبدورها ستطالب شركة التأمين جهة عمل المريض بمبالغ أكبر لتغطية عجز التكاليف. والنتيجة أن جهة العمل ستكون أمام خيارين عند تجديد عقد التأمين:

إما دفع الزيادة مع إبقاء نفس المنافع للموظف، أو إزالة بعض المنافع لتقليل قيمة العقد. النوع الثاني من التداخل، هو عند وجود مريض مثقف وذي سلوك مقنن في استخدام القطاع الصحي، لكن المستشفى/ العيادة تكون مصدر الاستنزاف. وهذه من التحديات الكبيرة. فقيمة الاستشارة الطبية المبالغ فيها والعدد اللانهائي من الفحوصات المطلوبة، مع الخروج من المستشفى بكيسة أدوية أشبه بأغراض الجمعية، بالتأكيد ستحلّق بفاتورة المستشفى إلى العلالي ضاربة بميزانية جهة عمل المريض.

هناك بعض الحلول للتداخلات المذكورة. في النوع الأول يكون سلوكنا تجاه المرض مهماً. لا أعني بعدم الذهاب إلى الطبيب، لكن بعض الثقافة الصحية والتعامل مع الأعراض البسيطة بالراحة والسوائل والمسكنات الخفيفة، سيقنن عدد الزيارات غير الضرورية ويعود بالنفع على أطراف المنظومة. أما بالنسبة للنوع الثاني، ففي اعتقادي أن الطبيب من أهم مفاتيح الحلول. الاتفاق مع المريض في اختيار الخطة العلاجية المناسبة..

والفحوصات التي تتناسب مع الحالة المرضية، والاعتماد على الأدلة العلمية، هي حجر الأساس. وهنا أذكر نفسي وزملائي الأطباء بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية، والابتعاد عن جشع الفحوصات ووصفات الأدوية اللاداعي لها، وما تجلبه من عمولة وسيولة ونسبة ربح يسيل لها اللعاب ويتبخر معها قَسَم أبقراط الطبي! ولا ننسى جهة العمل، فعلى عاتقها مسؤولية اختيار شركة التأمين والمنافع التي توازن قدر الإمكان بين ميزانية الشركة وراحة الموظف. حديث ذو شجون، تستمر معه لعبة شد الحبل والذي يسقط باستمرار هو.. سأترك لكم الإجابة!

 

Email