منتدى الإعلام ومهمة رفع مناعة الجمهور

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مائدة الإعلام العامرة ومواضيعها العابرة لحدود الممكن والمستحيل، يلتقي هذه الأيام في دبي نحو ألفين من أقطاب هذا الفن الإنساني وأمناء هذه الرسالة الحضارية، التي تضم نخبة من أهم الرموز المحلية والعربية والعالمية، من صناع القرار والقيادات الإعلامية والخبراء والمتخصصين في مختلف فنون العمل الإعلامي.

ليتناولوا راهن الإعلام ومستقبله، ويتبادلوا وجهات النظر على طاولات النقاش حول أدق العقبات وأعظم التأملات، على بساط من الشفافية والعمق والصراحة، بلا حدود أو حواجز أو مخاوف، لأن الغاية نبيلة وتبدأ من الآن؛ فالمستقبل يبدأ اليوم.

محفل إعلامي بهيج، يضاف إلى قائمة المحافل البديعة التي اعتادت دبي رسمها بريشة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي أظل هذا الحفل برعايته الكريمة، ودعا بعقليته المنفتحة كل أصحاب الأقلام وأرباب الإعلام إلى دبي، لتكون منبراً لهم لتقديم التحليل والرؤية والاستراتيجيات لخروج هذه الأمة من عنق الزجاجة، ووضع النقاط على الحروف في ما يمر بها من مواقف.

والواقع يظهر أن بعض منابر الإعلام غدا معاول هدم اجتماعي، تلعب بعقول الناس لأجندات مرسومة بخفاء، وتسوق الأكاذيب والأباطيل في موارد الحقائق، ومقدمة للتفرقة بدل الوحدة، ومتيحة أجواءها لكل مدلس لتصل من خلاله إلى رسم المشهد الذي تتبناه، ما يجعل لزاماً على أصحاب الضمائر الحية من أرباب هذه المهنة، أن يفندوا هذه التطاولات الإعلامية، وينيروا للناس ما أعماه بعض الفضائيات، ويصححوا ما دلسه بعض الصحف، وما التبس على الناس تحت عباءة الإعلام.

هذا هو جوهر منتدى الإعلام العربي الذي تدور فعالياته هذه الأيام، والهدف النبيل الذي ينتظره المتابعون من أرباب الفكر الإعلامي، والذين لا نشك في قدرتهم على تقديم المفيد النافع، في ظل تلاطم أمواج الغث ومعاناة أمواج السمين.

من أجل ذلك أتت عناوين جلسات المنتدى لتدور في هذا الفلك الأثير من هموم وهواجس الإعلام، فكان من بينها، وربما أبرزها، «سؤال المصداقية» للإعلام العربي، الذي بات يأخذ حيزاً كبيراً من تفكير المشاهد العربي، تجاه كثير من القنوات التي تهاوت أمام عينيه مثل أوراق الخريف، بعد تعلقها بأوهام ما كان يعرف بالربيع العربي، الذي لم تر منه الشعوب العربية إلا رعوداً وبروقاً وجفافاً مريراً.

وربما يكون هذا السؤال من ألحّ الأسئلة على المشاهد عموماً، وليس العربي فحسب، لا سيما في ظل وجود آلاف القنوات الفضائية والافتراضية والمسموعة والمقروءة، التي تضخ ملايين الأخبار، ومئات الروايات والتحليلات والقراءات للحدث الواحد، فأصبح المتابع العادي بين أمرين أحلاهما مرٌّ.

إما أن يسلم نفسه لمنبر إعلامي واحد يرضى بجميع رواياته وتحليلاته، ويتقولب معها كما تشاء وترضى، أو يفتح مصاريع فكره على مختلف المنابر بحثاً عن الحقيقة، التي لا يلبث أن يجد نفسه حائراً بين دهاليزها، في ظل عدم بناء الفكر التحليلي الناقد عند الشريحة الكبرى من مجتمعاتنا، وسيطرة النظرة العاطفية على التعاطي مع أي مضمون إعلامي.

وهنا لا بد من الإشارة إلى هذه المعضلة، وهي أن ثمرة الإعلام لا تتعلق بمنتجي الخبر الإعلامي أو ناقليه، وإنما تتعلق بشكل أكبر بمستقبلي هذه الأخبار، ما يحتم العمل بشكل جاد على صناعة وبناء الفكر التحليلي والتركيبي بأبسط أساليبه وبجهود مدروسة لدى المجتمع، حتى نشكل لديه الحد الأدنى من الحصانة من فيروسات الإعلام، وليسهم مع قادة الإعلام ورواده في صناعة المستقبل. هي قفزة إذاً من منصة الإلقاء في اتجاه مقاعد الجمهور، ليتشارك الجانبان صناعة الحدث.

فمهما كان الخطاب الإعلامي مسؤولاً عند بعض المنابر، إلا أنه لا يعدم وجود الكثير من الخطابات المتوالدة على الدوام، التي لا يمكن وصفها بأحسن من جراثيم الفضاء الإعلامي، وخطوط مجابهتها الأولى وقبل كل شيء، رفع مناعة الجمهور من شراسة هذه الآفات.

 

Email