داعش العراق وبوكو نيجيريا.. ما الرابط؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تثبت الأحداث دائماً أن الفكر المتشدد هو الذي يولد الإرهاب، وأنه يتجاوز حاجز الحدود واللغة ويفاجئ الجميع بعمليات إرهابية لا تفرق في الدين والمعتقد والجنس. ويكشف الفكر الإرهابي الذي تمارسه جماعة بوكو حرام النيجيرية، صورة مجسدة لفكر متشدد يقوده أفراد سطحيون في الثقافة، يأخذون بعض العناوين في الدين عن جهل وليس عن معرفة ودراية، ويقدمون أجمل هدية لأعداء الإسلام، من خلال تقديم صورة مخالفة لروح ومنهج الإسلام.

ومن يرى أبو بكر شيكاو، زعيم التنظيم في رسالته التي يهدد فيها ببيع الطالبات اللاتي اختطفهن في سوق النخاسة، والطريقة التي يتحدث بها، يكتشف الواقع المحزن لهذا الفكر، الذي طمس المعرفة عن قلوبهم وأصبحوا أسرى لأفكار مشوهة ومتناقضة، تقودهم لعمليات إرهابية يتباهون فيها بعدد القتلى. وحتى نكتشف مستوى تفكير هؤلاء الذين يتشدقون باسم الإسلام وهو منهم براء، ومدى انفصالهم عن الواقع، يكفي أن زعيمهم هدد بقتل مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، مع أنها متوفاة!

والمشكلة هي انتشار هذه الحركات المتشددة، من «داعش» و«النصرة» في العراق والشام، إلى حركة الشباب في الصومال، وغيرها من الحركات التي تكشف فشل محاربة الفكر المتطرف، رغم نجاح بعض الدول في مواجهة هذه المنظمات. وهناك خيط يربط بين هذه الحركات والتنظيمات، وهو الفكر المشوه المتشدد، وقد يتطور الأمر إلى تنسيق عملياتي بينهم.

ويبين لنا التاريخ أن قتال الخوارج لم يكن هو الوسيلة الوحيدة التي قضت على ظاهرة الغلو والمتشدد، بل محاربة الفكر بالفكر ومواجهة المحرضين، هي الوسيلة التي قادت إلى انحسارهم وتراجع فكرهم وتأثيرهم. ويعقد حالياً كثير من المؤتمرات والندوات التي تناقش ظاهرة الحركات الإسلامية المتشددة وكيفية مواجهتها، ويتفق معظم الدراسات على أن الفهم الخاطئ للدين وأحكامه هو الذي يدفع إلى التطرف.

كما أن بعض مناهج التعليم يتم تفسيرها بشكل مجتزأ، مع احتكار بعض الجماعات المتشددة لتفسير بعض النصوص بما يخدم أجندتها، جعل المساحة متاحة لفكر متطرف يتطور إلى عنف وتنظيمات إرهابية.

الإرهاب أصبح آفة العصر، واكتشاف تنظيمات إرهابية لها امتداد من تنظيمات أخرى، يكشف كيف أن ثورة الاتصالات وشبكات التواصل الإلكتروني، ساعدت بشكل غير مباشر في وجود خلايا عنقودية تتواصل في الأفكار، وتتصرف بمفردها كخلايا منتشرة في دول مختلفة. وكان اكتشاف السعودية أخيراً لفرع من تنظيم داعش والقبض على 62 إرهابياً، دليلاً واضحاً على تمدد هذه الخلايا.

والخلايا الإرهابية تجد ملاذها في الفوضى، حيث تتكون وتتجمع عناصرها. فهم الآن في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وغيرها. ويدور حديث عن تنسيق بين بوكو حرام والجماعات الجهادية في المغرب العربي، وحركة الشباب في الصومال. والخطورة أن هناك من يُشرّع لهذا الفكر ويُروّج له، وقد لا يصل للترويج المباشر، ولكنه يهيئ الأرضية التي ينطلق منها هذا الفكر الإرهابي، ويسهل استقطاب العناصر الشابة المغرر بهم ليقعوا في حبال هذه المنظمات.

إن التصدي العالمي المنسق ضد حركة بوكو حرام، يبين خطورة هذه الحركات وإدراك المجتمع الدولي أن هذه لم تعد قضية سيادية للدولة، بل قضية حقوق إنسان، ومسؤولية المجتمع الدولي أن يجابه مثل هذه الحركات. والعالم الإسلامي مطالب بأن يرفع صوته عالياً، حكومات ومؤسسات وعلماء، ضد هذا التشويه المنظم لجوهر الاعتدال الإسلامي ولرسالة الإسلام السامية.

ومثل هذا الوضع وانتشار الخلايا السرطانية وتطور هذه الحركات إلى تنظيمات، كأنها عصابات المافيا بوجه جديد، يتطلب من المؤسسات الدينية الرسمية مراجعة أساليبها الدعوية، وانفتاح هذه المؤسسات على الأفكار الحديثة والتواصل مع العالم الخارجي وتشجيع الفكر المعتدل، من خلال خطاب مستنير يعمق الفكر الوسطي للإسلام وإعطاءه المساحة الكافية، فضلاً عن فتح جميع قنوات الاتصال بالجماهير أمام دعاة التيار المعتدل.

إن الفكر المتشدد موجود تاريخياً، ويتشكل حسب المرحلة التاريخية التي يمر بها. والتطرف موجود في مجتمعات وأديان أخرى، لكن المجتمعات النابهة تواجه هذا الفكر المتطرف وتحاربه كمسؤولية اجتماعية لكل الأفراد.

ونحن في مرحلة تشهد انتشار هذه الخلايا وتلونها، مطالبون بمحاربة هذا الفكر ومواجهته. ومن غير المنطقي النظر إلى المسألة على أنها مشكلة جزئية ومحدودة، فالعدد البسيط من خلال استخدامه وسائل التواصل الإلكتروني يؤثر في شرائح أكثر، والعدد البسيط أيضاً ممكن أن يقوم بعمليات إرهابية يذهب ضحيتها ألوف الأبرياء، عدا ضرب الاقتصاد والاستقرار. مستقبلنا كأمة يتحدد بطريقة تعاملنا مع هذا الفكر، فإما أن تفتح أبواب الفوضى والدمار، أو ننتقل إلى مرحلة تقودنا إلى مستقبل يؤمن فيه الجميع بفكر الوسطية والاعتدال.

Email