أعداء الإسلام وقراصنة خطف الدين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثلاث جرائم وقعت في أماكن متفرقة من العالم، بينها آلاف الأميال، لكن يحكمها عقل واحد، مع أنه يتحدث ثلاث لغات مختلفة: السواحلية والأوردو والعربية. وهذه الجرائم هي جريمة اختطاف فتيات مدارس في نيجيريا، وحرق ثلاث سينمات في باكستان، وتفجير انتحاري في مصر.

والخيط الرفيع الذي يشبكها في بعضها البعض، هو أن المجرمين زعموا أنهم "فعلوا ما فعلوا جهادا في سبيل الله"! فكيف يمكن لبشر أن يرتكبوها وينسبوا دوافعها إلى الدين الذي يؤمنون به، كما لو أنهم ينفذون حكما صادرا لهم مباشرة من السماء؟

في نيجيريا خطفت جماعة "بوكو حرام" 230 فتاة من المدارس، ليمنعوهن من تمام السقوط في "خطيئة التعليم" على النظام الغربي، فتعليم البنات حسب فهمهم للدين، هو خروج على الدين.

فالنساء كما تتصور هذه الجماعة، هن مجرد ماعون لإنجاب البنين والبنات وخدمة الرجال وإمتاعهم، وإذا تعلمن أو اشتغلن وصرن كيانات فاعلة في مجتمعهن، فهن يخالفن الشريعة! ونسبوا أفكارهم زورا وبهتانا، لدين لا تكف آياته القرآنية عن حض المسلمين على التفكير العلمي المنظم، في الكون وأسراره ومغزاه وقوانينه وكائناته، طريقا إلى معرفة الخالق والإيمان به.

لقد خاطب الله سبحانه وتعالى عباده أكثر من مائة مرة، بكلمات شديدة الدلالة المعرفية: التعقل، التدبر، التفكير، وهي كلمات لا تعمل بكفاءة في العقل الإنساني من تلقاء نفسها، وإنما بناء على تعلم وتعليم ومعارف يُحصلها هذا العقل.

والتكليف من الله لا يفرق بين الإنسان الذكر والإنسان الأنثى، فمن أين جاء منع البنات من التعليم في المدارس؟ المدهش أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، هو النبي الوحيد الذي عمل في شبابه عند امرأة هي خديجة بنت خويلد، بما في ذلك من دلالة واضحة على مكانة المرأة في الإسلام ودورها في نشر دعوته.. لكنها عقول تخاصم دينها وتفسره على هواها، نقلا عن موروثات اختلطت فيها العادات والتقاليد بالدين وسادت عليه.

أما في باكستان فقد أعلنت جماعة طالبان الباكستانية الجهاد على دور السينما، وأحرقت تسعا منها في بضعة أشهر قليلة في مدينة بيشاور الحدودية، ثم أصدرت الحركة بيانا تفسيريا قالت فيه إنها تعمل على كبح السلوك غير اللائق. مع أن السينما الباكستانية في غاية الأدب والالتزام بالأخلاق الحميدة في كل أفلامها؛ لا قبلات، لا مشاهد في الفراش، لا ملابس مكشوفة..

وطبعا كل هذه حجج فارغة، ويقال إن السبب الحقيقي هو محاولة استعادة النفوذ الذي فقدوه بعد الحرب الأميركية في أفغانستان، وهم بالفعل تمكنوا في فترة قليلة من اغتيال اثنين من أشهر الفنانين الباكستانيين، هما وزير خان أفريدي والمغنية شبانة بيجوم، بعد تحذيرهما أكثر من مرة لوقف نشاطهما الفني، وكان الاختيار مقصودا، لإحداث ضجة كبيرة تبين عودة الحركة وقوتها.

وبالطبع الحركة غير معنية بالبحث عن "شرعية" سفك دماء مسلمة، فقتل المسلم أيا كانت درجة إيمانه، محرم تحريما تاما، فالله هو العالم بأسرار القلوب، وشدد على تحريم القتل، بأن قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعا، إلا بالحق، وبسلطة ولي الأمر، وليس بأيدي أي جماعة أو حركة حسب فهمها للدين وفهم مفتيها.

وفي مصر، لف شخص نفسه بحزام ناسف ودخل في كمين شرطة في سيناء مفجرا نفسه، وتحول إلى أشلاء رهيبة، وقتل معه جنديا وأصاب ثلاثة.. وقطعا قرأ الشهادة في سره قبل أن يفجر نفسه، وربما قرأ بعض آيات القرآن وهو مقبل على الانتحار وقتل الآخرين! ثم أصدرت جماعته بيانا تزكيه، وتصفه بالشهيد الذي جاهد بحياته من أجل الإسلام ومضى إلى ربه راضيا مرضيا..

أليس ذلك جنونا مطبقا؟ كيف استفاد الإسلام من هذه العملية الانتحارية؟ وعلى أي وجه؟ وكيف يكون الانتحار جهادا؟ هل حدث مثل هذا في أي وقت من أوقات الدعوة، سواء في مكة قبل الهجرة أو في المدينة بعد الهجرة؟ هل حدث في زمن الخلفاء الراشدين أو في الدولتين الأموية والعباسية؟

قطعا الجهاد فرض، وله شروط صارمة، وموكول إعلانه إلى ولي الأمر وإلا وقعت الفوضى والفتن، كما حدث في تاريخ المسلمين من أول غزوة بدر إلى وفاة الرسول ثم بعدها، ولم يكن فيه جهاد مسلمين ضد مسلمين مختلفين معهم في الرؤى السياسية، فمن أين أتوا برخصة الانتحار والقتل؟

والمدهش أن آيات الحرب في القرآن أقل كثيرا من آيات الرحمة والسلام والمودة، ودعوة الإسلام للسلام جادة وواضحة، والجهاد دائماً هو دفاع عن النفس والدين، وليس هجوما ولا عدوانا.

باختصار، لقد خطفت فصائل سياسية من المسلمين دين الله، وأساءت إليه أيما إساءة، وجعلته ضد الإنسان الأنثى، وضد ترويح النفس والبهجة، ويحض على الانتحار والقتل.

يجب أن نسترد الإسلام من هذه الفصائل الضارة بديننا، نريد حركة عالمية نشيطة من المنظمات الإسلامية الدولية وكبار علماء المسلمين المرموقين، تكشف للناس فساد هذا الدعاوى وخطرها، لكي يمكن حصرها والتضييق عليها، حتى تضمحل وتصبح مجرد هامش محدود لا قيمة له.

 

Email