مستقبل الشرق الأوسط في نظام متعدد الأقطاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عقود طويلة عدة، ما زالت منطقة الشرق الأوسط تُشكّل واحدة من أكثر المناطق أهمية في الاستراتيجية الدولية. فهي ملتقى لقارات آسيا وأوروبا وافريقيا. وتضم كثافة سكانية كبيرة تتوزع على جنسيات مختلفة وبالغة التنوع عرقياً ودينياً ولغوياً واجتماعياً.

ولديها ثروات طبيعية تكاد تكون الأكثر غنى في العالم كالنفط،، والغاز، والمعادن الثمينة، وإمكانات هائلة للزراعة، واستخراج الطاقة الشمسية بالإضافة إلى مصادر الطاقة النظيفة من الشمس والرياح، وأسواق تجارية واسعة، وشريحة من الأثرياء الجدد الذين يظهرون ميلا كبيرا لتبديد قسم كبير من ثرواتهم خارج دائرة الانتاج.

منذ القرن التاسع عشر شكلت النزاعات القومية والعرقية والدينية في منطقة الشرق الأوسط، عنصر تفكيك للوحدة الداخلية منعت قيام دول مركزية قوية فيها. وبعد ولادة الدول المستقلة كثرت فيها النزاعات على السلطة والنفوذ، والانقلابات العسكرية، والحروب الأهلية والإقليمية، وهي ما زالت متفجرة أو قابلة للانفجار في زمن الانتفاضات العربية التي بدأت عام 2011.

احتلت القوى العسكرية مراكز فاعلة في دول الشرق الأوسط، وساعدت على تثبيت ركائز الدولة المركزية التي فشلت في الانتقال من مرحلة العصبيات القبلية إلى بناء المؤسسات. وما زال الجيش الوطني يلعب دور القوة الوطنية الجامعة والقادرة على حماية الدول العربية الشرق أوسطية.

وبعد أن حمت القوى العسكرية السلطة المركزية لعقود عدة ومنعت قيام المزيد من الانقلابات العسكرية، باتت أمام مهمات وطنية في أعقاب تفجر الانتفاضات الشعبية التي أطلقت مرحلة جديدة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر. وانحاز بعضها إلى جانب القوى المنتفضة.

وبات على القوى العسكرية أن تساند القوى المنتفضة لكي تحمي المجتمعات العربية من التفكك، وأن تحافظ على الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية والعيش المشترك، وأن تطور مؤسسات الدولة العصرية بما يتلاءم مع تحديات العولمة، وأن تواجه خطر إرهاب المنظمات الأصولية والتكفيرية، وأن تتصدى للمشروع الصهيوني الذي يعمل اليوم على محو عروبة أرض فلسطين وتثبيت هوية يهودية لدولة إسرائيل.

وبعد أن عجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن إسقاط النظام السوري بالقوة الخارجية على غرار إسقاط النظام الليبي، تبدو اليوم عاجزة عن مواجهة التحدي الروسي في أوكرانيا، وعن إرباك الصين عبر دعم جماعات انفصالية في التيبت، وإسلامية في شينجيانغ ومناطق أخرى.

فقد ردت روسيا بضم منطقة القرم عبر استفتاء شعبي كاسح. وبدا التحالف الأميركي - الغربي عاجزا عن القيام بأي رد فعل عسكري، واكتفى بفرض عقوبات اقتصادية لا تؤثر في الاقتصاد الروسي أكثر ما تؤثر في اقتصاد أوكرانيا ودول أوروبية أخرى.

يضاف إلى ذلك أن تسوية الصراع الجاري في سوريا لم تعد ممكنة أميركياً وأوروبياً دون مشاركة فاعلة من روسيا والصين. وإيجاد حل سياسي بعد أن ثبت فشل الحل العسكري طوال السنوات الثلاث الماضية.

لا يجوز أن تتخلى المنظمة الدولية عن دورها في إيجاد حلول عقلانية لمشكلات دولية تهدد السلام العالمي. لذا تطالب الشعوب العربية بدور فاعل لمجلس الأمن في إيجاد حل سلمي لمشكلات الشرق الأوسط، وبشكل خاص قضية فلسطين. فالحل السياسي لأزمة الشرق الأوسط يتطلب وجود منظمة دولية فاعلة وقادرة.

ومن اولى واجبات الرأي العام الدولي أن يضغط بقوة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة لإلزام جميع دولها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعدم الكيل بمكيالين في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

وعلى المجتمع الدولي تقديم مساعدات فورية لحل أزمة الشرق الأوسط، وأن يؤمن مناخا حواريا يضمن احترام الدولة السورية وسيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، وأن يمارس الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، وتهويد القدس، والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين.

أخيرا بعد ثلاث سنوات من الحرب المستمرة في سوريا، بدا واضحا أن المحافظة على وحدتها واستقرارها مطلب حيوي للشعب السوري وللمجتمع الدولي معا.

والحل السلمي للقضية الفلسطينية على قاعدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة جنبا إلى جنبا مع دولة إسرائيل وفق حدود 1967 وعاصمتها القدس يشكل مدخلا لنزع فتيل صراع متفجر يطال الشرق الأوسط بكامل دوله، ويهدد السلام العالمي.

ختاماً، ليس من شك في أن تعددية الأقطاب في النظام العالمي الجديد تساعد الشعوب العربية على تعزيز قدراتها الكبيرة للدفاع عن أمن شعوبها، وحقوقها المشروعة، وتحرير أراضيها المغتصبة، وحماية مصالحها المستباحة.

ولن يكون القانون الدولي ومعه الشرعية الدولية في ظل التعددية القطبية وسيلة ممكنة للكيل بمكيالين كما تجلى بالانحياز الأميركي الكامل إلى جانب إسرائيل، لكن مشاركة العرب الفاعلة في النظام العالمي الجديد رهن بتلبية حاجات الإنسان العربي أولاً لأنه يشكل الرأسمال الثابت في جميع مشاريع النهضة العربية، وإقامة دول مدنية ديمقراطية قادرة على بناء مجتمع المعرفة لمواجهة تحديات عولمة همجية في ظل القطب الأميركي الأوحد، وتحويلها إلى عولمة أكثر إنسانية في نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب.

 

Email