«شكرا حكيم»

ت + ت - الحجم الطبيعي

"دكتور، شو سويت في الولد!"، يقولها المريض وهو يحمل في طياته شحنة غضب على الطبيب المعالج، نتيجة حدوث خطأ طبي في تشخيص أو علاج مرض ابنه أو أحد أقربائه، ويدخل الجانبان في سجال لكي يبرر كل طرف موقفه.

سيناريو متكرر وسيتكرر في عياداتنا ومستشفياتنا، العامة والخاصة. ما الذي يحدث؟ لماذا الأطباء فقدوا إنسانيتهم؟ لماذا أصبح المريض يعيش في قلق وخوف مستمرين من حدوث المكروه عند زيارة الطبيب، وهو الذي يقال عنه الحكيم منذ قديم الزمن؟ أين الخوف من الله والضمير؟

قبل أن أكمل، لنقف لحظه ونسأل؛ هل الألم أو الالتهاب الذي حدث هو نتيجة خطأ طبي أو مضاعفات كان متوقعا حدوثها؟

في عالم الطب هناك فرق بين الخطأ الطبي والمضاعفات الجانبية، التي قد تحدث ولو قام بالعملية أمهر جراح في العالم. فالنتائج السلبية قد تكون إما أحد الأعراض الجانبية (مضاعفات متوقعة من العلاج)، أو بسبب خطأ طبي صادر عن الأشخاص. فمثلا، بعض أعراض الحساسية نتيجة أحد العلاجات أو عدم الاستجابة لأحد الأدوية، تكون أحد الأعراض الجانبية المعروفة..

وليست بسبب وصف علاج خاطئ للمريض. وهذا ما نطلق عليه الأعراض الجانبية أو مضاعفات العلاج. مثال آخر، هو الألم الذي يستمر لبعض الوقت، بعد تبديل مفصل الركبة بمفصل صناعي، يكون متوقعا حدوثه قبل العملية ولكن لا يمكن تفاديه.

أما الخطأ الطبي من الناحية الأخرى، فهو نتيجة غير مرغوب فيها كان من الممكن تفاديها. فتعريف الخطأ الطبي هو "الفشل في إكمال الخطة العلاجية كما يفترض، أو اختيار خطة خاطئة لعلاج حالة معينة للوصول إلى الهدف المرجو". لكن كيف يستطيع المريض التفريق بين هذين الأمرين المختلفين تماما؟

إن من أهم عوامل نجاح أي زيارة للطبيب والحصول على أفضل النتائج، هو التواصل الفعال بين الطبيب والمريض. سيقول القارئ ما هذا المصطلح؟ أكيد تواصلي مع طبيبي فعال.

المقصود بالفعال، هو وصول الطبيب والمريض إلى أرضية مشتركة في التفاهم ومعرفة المرض والعلاج. الطبيب ليس بساحر أو إله (استغفر الله). فكونك مريضا لديك كل الحق في معرفة مرضك وسبب المرض (إن وجد)، واختيارات العلاج المتاحة، ومعرفة إيجابيات وسلبيات كل خيار.

صحيح أن الطبيب لديه العلم بأنواع الأمراض والعلاجات والفحوصات، لكن التفاهم المشترك بين الطرفين مهم جدا في عملية العلاج. فيجب على الطبيب شرح الحالة ولو بلغة بسيطة، لكن بشرط أن يتم التأكد من فهم المريض لحالته. وكذلك يجب على الطبيب شرح العلاج والمضاعفات الممكن حدوثها، والتأكد من أن المريض قد استوعب تماما هذه الاحتمالية.

فالذي يحدث بعض الأحيان أن الطبيب يقوم بشرح التوقعات الممكن حدوثها بعد أخذ الدواء أو العملية، ويوافق المريض على الورقة (لكن حينها يكون المريض أو أهله في حالة قلق وأمل بعدم حدوث مكروه والدعاء، وعدم التركيز الجاد على الذي قيل لهم)، لكن عند حدوث إحدى المضاعفات يستفيق المريض، وتبدأ العاطفة تسيطر على العقل، ويدخل المريض في دوامة الخطأ الطبي ويوجه أصابع الاتهام للطبيب.

وفي نفس الحين، هناك أطباء لا يعيرون الاهتمام المطلوب لموضوع التواصل الفعال، ولا يحصل المريض على الصورة الكاملة عن مرضه واختيارات العلاج المختلفة.

إذن، ما الحل؟ هل ندور في حلقة مفرغة كل يتهم الآخر؟ المسؤولية مشتركة بين الطبيب والمريض، فالتواصل الإيجابي الفعال المشترك بين الطرفين، هو السبيل للخروج من الدوامة. فأنت يا مريض لك كل الحق في معرفة المرض والعلاج والإبرة (عندما تسأل بعض المرضى عن طبيعة الإبرة التي أعطيت له، يقول إبرة ألم وخلاص وإن الطبيب أدرى).

يجب عليك معرفة نوع إبرة الألم أو المضاد، فالثقافة الصحية مهمة جدا جدا، ولا تقتصر على فئة الأطباء فقط. والطبيب عليه مسؤولية الشرح وتبيان جميع التفاصيل، على حسب ثقافة المريض وقدرة الفهم لديه.

نعم، الطبيب لديه طابور مرضى، لكن هذا لا يمنع بيان المعلومات بشكل مبسط أو برسومات أو لوحات جاهزة، مع إعطاء عناوين بعض المواقع الإلكترونية للذين لديهم المجال لدخول الإنترنت.

أما الخطأ الطبي فهو موجود في جميع دول العالم وليس حكرا علينا، ولكن عندما يحدث الخطأ نتيجة إهمال الطبيب واللامبالاة فإن "الجزاء من جنس العمل"، ويجب أن تكون العقوبات رادعة وصارمة، لحماية النظام الصحي من التصدع.

إذن، هل هناك سبيل لمنع الطبيب من الوقوع في الأخطاء المتكررة؟

الاهتمام بالكادر الطبي من جميع النواحي (المعنوية والمادية والاجتماعية)، سيجعل الطبيب لا يفكر في شيء آخر غير تخصصه، ويخلص في عمله ويزيد من تركيزه، وبهذا نقلل وقوع الأخطاء الطبية بأقصى ما نستطيع.

موضوع شائك وعلاقة معقدة، مفاتيحها تكمن في: حسن الظن والإخلاص. حينها سيخرج المريض من العيادة قائلا: "شكرا حكيم"!

 

Email