لم يبق من المفاوضات سوى تمديدها

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد تحذيرات وتوقعات سوداوية كثيرة، أثارتها أوساط فلسطينية وعربية سياسية وإعلامية، قبل زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن في السابع عشر من الشهر الجاري، ها قد عاد عباس إلى رام الله بدون أو بقليل من الشكوى إزاء ما سمعه من الرئيس الأميركي باراك أوباما.

التحذيرات والشكاوى المسبقة، كانت تتوقع أن يتعرض الرئيس ووفده لضغوط هائلة، وتهديدات صريحة أو مبطنة من المضيف الأميركي، تستهدف وضع القيادة الفلسطينية والسلطة في زاوية حرجة، فإما أن تقدم المزيد من التنازلات لصالح إنجاح مهمة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يسعى وراء توقيع اتفاقية إطار وتمديد المفاوضات، وإما أن تتعرض لضغوط سياسية ومالية، وربما لعقوبات أميركية فاعلة.

انتهت زيارة عباس، وقبله بأسبوعين زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، دون أن ترشح معلومات من مصادر صحفية أو خاصة، بشأن النتائج التي قد تكون حققتها الإدارة الأميركية من الزيارتين. ولقياس النتائج يترتب أن نسأل عن الأهداف التي أرادت الإدارة الأميركية تحقيقها من دعوة عباس ونتنياهو إلى واشنطن، بشأن طرح أفكار مكتوبة أو أسئلة تنتظر الإجابة عليها من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

في الواقع ما كان للرئيس الأميركي أن يتورط في تقديم صيغ وأفكار مكتوبة بشأن اتفاقية الإطار، لأن في ذلك مجازفة قد تنطوي على إحراج شديد للإدارة الأميركية، لو أن الإجابات من الطرفين أو أحدهما جاءت بالرفض، على غرار رفض الرئيس عباس الأفكار التي طرحها كيري خلال لقائهما في باريس الشهر الماضي. وقد لاحظ المراقبون أن لا نتنياهو ولا الرئيس الفلسطيني، غيرا مواقفهما المعتادة، بعد لقاءات واشنطن.

على أن دعوة نتنياهو وعباس إلى واشنطن من قبل الرئيس الأميركي، ليست بالتأكيد للمجاملة أو بدون جدوى، ذلك أن رفع مستوى الاهتمام الأميركي بموضوع التسوية إلى مستوى تدخل الرئيس، يحمل في طياته رسالة قوية للطرفين بأن عليهما أن يتعاملا بجدية أكبر مع الجهد الذي يقوم به كيري ولإنجاح مهمته، وبأن الولايات المتحدة لن تتهاون مع أطراف هذا الصراع، في حال فشلت الجهود الأميركية.

ومن الواضح أن إدارة الرئيس أوباما لم تعد متفائلة بشأن تقريب وجهات نظر الطرفين، بما يسمح بتوقيع اتفاقية إطار ما زالت دون توقيعها هوة واسعة بين الطرفين، لم تنجح محاولات كيري المكثفة في ردمها أو تقليصها، ولذلك فإن من الأرجح أن الإدارة الأميركية باتت مهتمة بأن يتم تمديد المفاوضات لبضعة أشهر إضافية، لإنقاذ دورها من الفشل، ولمنح الطرفين فرصة أخرى لتحقيق اتفاق يحول دون اندلاع الصراع والفوضى.

تعلم الإدارة الأميركية أن تمديد المفاوضات ينطوي على مصلحة لكل الأطراف، فإذا كانت الولايات المتحدة تسعى وراء ذلك، فإن إسرائيل لا تمانع البتة في استمرار المفاوضات لعشرين سنة مقبلة، طالما أنها تشكل غطاءً مناسباً لاستمرارها في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية والتهويدية، التي تقوض الحقوق والمطالب الفلسطينية.

الطرف الفلسطيني الذي لا يملك خيارات بديلة، هو الآخر يرغب في تمديد المفاوضات، لكن ليس وفق الشروط التي استؤنفت على أساسها المفاوضات الجارية، التي تنتهي في التاسع والعشرين من إبريل المقبل.

لقد صرح الرئيس عباس أكثر من مرة، بأنه لن يمانع في تمديد المفاوضات طالما كانت هناك جدوى من وراء التمديد، على أن الجدوى التي تبرر للرئيس الفلسطيني الموافقة على تمديد المفاوضات، لا تتصل بالمراهنة على إمكانية تحقيق تسوية، بقدر ما أن المراهنة مرتبطة ببعض الإنجازات التي يمكن تحقيقها كشروط ملازمة للموافقة على التمديد.

في الواقع لا أحد يتوقع أن تصل المفاوضات إلى نتائج تفضي إلى تسوية، لا اليوم ولا غداً.. فإذا كانت المواقف الأميركية تجاه قضايا الحل الدائم، تشكل الأساس الذي يمكن أن يتوافق عليه الفلسطينيون والإسرائيليون، فإن هذه المواقف لا تعدو كونها ترجمة بالإنجليزية للمواقف الإسرائيلية التي يرفضها الفلسطينيون.

ومع أن كيري أشار أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، إلى خطأ التعامل والتركيز على شرط يهودية الدولة كقضية مركزية، مما يوحي بأن هذا الشرط قابل للمعالجة، إلا أن هذا التصريح يتم توظيفه لمطالبة الفلسطينيين بالاستعداد لدفع ثمن مقابل ذلك.

لتمديد المفاوضات، طرحت القيادة الفلسطينية ثلاثة مطالب أو شروط؛ أولها تجميد الاستيطان، وثانيها الإفراج عن عدد آخر من الأسرى بوزن مروان البرغوثي وأحمد سعدات وفؤاد الشوبكي، وثالثها توفير الدعم للسلطة الفلسطينية حتى تتمكن من القيام بواجباتها.

بعد لقاءات واشنطن تبدأ مهمة كيري في استثمار هيبة الإدارة الأميركية، وخلال ما تبقى من مفاوضات حتى التاسع والعشرين من الشهر المقبل، لانتزاع موافقة من الطرفين على التمديد. في هذه الحالة فإن إسرائيل تلوح بإمكانية الامتناع عن تنفيذ استحقاق مترتب عليها بالإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى القدامى، الذي يحل موعده في التاسع والعشرين من هذا الشهر، في محاولة لابتزاز الموقف الفلسطيني وتحويل هذا الاستحقاق لدمجه في استحقاقات الموافقة على تمديد المفاوضات.

الرد الفلسطيني سيكون في هذه الحالة، هو التنصل من التعهد الذي قطعه الفلسطينيون على أنفسهم بعدم التوجه إلى الأمم المتحدة، طالما المفاوضات مستمرة. وبغض النظر عن ذلك، فإن من المرجح أن ينجح كيري في مهمته بتمديد المفاوضات، فهذا أضعف الإيمان الذي لن تسمح الإدارة الأميركية بعدم تحقيقه، كون ذلك سيؤدي إلى فشل صريح ينطوي على تبعات ثقيلة على إدارة أوباما، التي تتجه نحو الانتخابات النصفية للكونغرس.

أما مطالبة الرئيس أوباما للطرفين بضرورة اتخاذ قرارات صعبة، والإقدام على مجازفات، فإن لها مفهوما واحدا واتجاها واحدا، وهو أن على الفلسطينيين أن يقبلوا بأنصاف وأرباع حقوق، أو حتى مصادرة بعضها، فيما لا تعني بالنسبة لإسرائيل سوى تحجيم أطماعها التوسعية والعدوانية، وربما إلى حين.

وإذا كان من غير المتوقع التوصل إلى اتفاق تسوية مناسب ومقبول للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فإن تمديد المفاوضات لا يعدو كونه تأجيل إعلان الفشل وانفجار الوضع، وهو الاحتمال الذي يتحضر الطرفان للتعامل معه، كل وفق ما يحوز عليه من أوراق القوة.

Email