«ارتقوا قبل فوات الأوان.. فالقاع ازدحم»

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأت الكتابة تشدّني منذ مدة طويلة، لكنني كنت أفضّل حينها دور القارئة على دور الكاتبة، لإيماني بضرورة الاستزادة من شتى حقول المعرفة في المقام الأول.. وعندما قررت الكتابة كنت أحاول ما أمكن الابتعاد عن الحديث في الشؤون السياسية ودهاليزها.

ومع أن انخفاض الاهتمام بناحية يقابله ازدياد الاهتمام بناحية أخرى، إلا أنني في بعض الأحيان أجد نفسي مجبرة على الحديث في تلك الشؤون، وهذا شيء يزعجني لكنني كما قلت مجبرة! فثمّة أمور ومستجدات تفرض نفسها فرضاً علينا وعلى كل ما نقول ونكتب. وما جعلني أكتب اليوم في الشأن السياسي هو ذلك الحديث الذي دار بين صديقات لي، والذي حمّلن فيه دولة قطر المسؤولية الكاملة عن استشهاد الضابط الإماراتي طارق الشحي، واثنين من رجال الأمن البحرينيين، في منطقة الدية في المنامة أخيراً، وذلك عبر الدعم الذي تقدّمه لمعارضة البحرين وتقاربها مع الحرس الثوري الإيراني، ناهيك عن دعمها حركة «الإخوان المسلمين» واستضافتها خلاياها، وهي الحركة التي تعمل على تقويض أنظمة الحكم في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. وغيرها من السياسات التي تلحق الضرر بأمن دول مجلس التعاون واستقرارها!

وما استفزني في هذا الحديث، هو أنني لم أستطع استيعاب ما يجري، وكيف أن ثمّة أقداماً زلّت وأفهاماً ضلّت، وفكرة أن من وحّدهم الدّين والتاريخ والقيم والتقاليد وجمعتهم أواصر الأخوة والقربى والنسب قبل الجوار، فرّقتهم السياسة وتجاذباتها! ولمصلحة من؟! لقد ولِد في هذه البقعة الطاهرة من الكرة الأرضية، كيان متكاتف مترابط، نشأنا فيه على كلمات حفرت في قلوبنا: خليجنا واحد، وشعبنا واحد، ومصيرنا واحد.. لن تفرقنا سياسة، فهل فرّقتنا السياسة؟!

نعم، هناك اختلاف في ما بيننا في بعض الآراء والتوجهات ووجهات النظر وتقدير بعض الأمور، لا أحد يستطيع إنكار ذلك، وهو لا يُفسد للودّ قضية - في الأوضاع الطبيعية - لكن أن يكون هذا الاختلاف ديدن السياسة القطرية، الذي تصرّ عليه في علاقاتها بمعظم الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهو سيُفسد للودّ - آجلاً أم عاجلاً - ألف قضية!

إنني أتمنى، بصفتي مواطنة إماراتية خليجية غيورة على وطنها وخليجها الواحد، على أشقائنا في دولة قطر، ولا سيّما أصحاب الأقلام الشريفة منهم، الذين عددناهم وما زلنا وسنبقى نعدهم جزءاً لا يتجزّأ منا، أن يطلقوا لأنفسهم حرية التعبير عن ذواتهم ويُسمعونا صوتهم هم، بمنأى عمّا يحدث في القاع المزدحم بالمُستقطبين الذين يدّعون «الفكر» و«الدّين» و«المهنية المستقلة»، و«أصحاب الأجندات الخارجية» الذين يلوكون بألسنتهم تلويثاً وتحريفاً لما يحدث على أرض الواقع، وهم في حقيقة أمرهم مأجورون، كل همّهم تفتيت لُحمة كياننا الوحدوي وزرع الفتنة بين أرجائه.

يجب أن نعي ككتّاب نحب السياسة أو نمقتها، نفقه فيها أو لا نفقه، خطورة الانزلاق إلى ثقافة «نحن وهم»، لأن المرحلة التي نمرّ بها وتمرّ بها منطقتنا حالياً مرحلة خطرة، وإذا لم نقدّر مدى خطورتها فإننا سنُلحق ضرراً كبيراً بأنفسنا وبوحدتنا وبأطفالنا، ويجب أن نعي أيضاً أن اتفاقنا هو مصدر قوتنا ومنعتنا، وهو الذي سيحقق مصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها.

إن ثمّة مسؤوليات جساماً ملقاة على عواتقنا جميعاً، في الدفع نحو محاولة رأب الصدع قبل فوات الأوان، والضغط للخروج بأفكار جديدة خلّاقة، هدفها التوفيق بين وجهات النظر المتباينة، وتهدئة الخلافات بيننا، ومحاولة إقناع دولة قطر بتعديل سياساتها والعودة إلى السرب الخليجي الواحد، فلا أحد بحاجة إلى إقليم مضطرب، ولا سيّما في هذا الوقت.

لذا يجب علينا إلغاء كل الأحكام المسبقة نحو بعضنا بعضاً، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الأخوية القائمة على حسن النيّة وردم هوة عدم الثقة، ولا سيّما أنه سيأتي علينا يوم نجلس فيه جميعنا خلف قضبان حديدية في محكمة يديرها التاريخ، فلنكن جديرين جميعنا بالانتماء إلى هذه الأرض الطيبة وهذا الكيان العظيم، قبل أن نخسر جميعاً.

Email