«الإخوان» خطر وتهديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن الفريق ضاحي خلفان هو أول من أثار المخاوف من خطورة جماعة الإخوان المسلمين على الدول العربية كافة، وخاصة دول الخليج، ولكنه في الآونة الأخيرة هو الأكثر دَقْاً على ناقوس الخطر من "الجماعة"، والأشد وضوحاً في عباراته عنها، والأدق تحديداً لماهية خطرها، وهذا أمر منطقي من رجل شرطة، عاش حياته في قلب عالم من المعلومات المتعلقة بهذا النوع من الجماعات والتنظيمات. وبالطبع لم يسلم من رد فعل مناهض، متطاول أحياناً من الجماعة، لكن ما قاله يظل عالقاً بالأذهان، ضاغطاً على خلايا التفكير والفحص والتمحيص، ويحتاج منا إلى تحليل عميق.

والبداية من سؤال في غاية الأهمية: هل جماعة الإخوان في كل دولة عربية تختلف عن جماعة الإخوان في مصر؟ وإذا كانت مصر قد صنفت الجماعة تنظيماً إرهابياً خطراً على أمنها القومي، فهل ينسحب الوصف ولو معنوياً على كل جماعة إخوان في أي دولة عربية من جبال أطلس إلى شواطئ الخليج، مع اختلاف التفاصيل والظروف والبيئة، أم هذه مبالغة وتربص وشقاق؟

تحتاج الإجابة إلى قدر من التأمل في تكوين جماعة الإخوان، وفكرها، والهدف الأكبر من وجودها، وهنا لا يجوز الاجتهاد ولا التأويل، حتى لا يجنح تحت ضغط مشاعر الرفض والقبول، والحب والكراهية. والأوقع هو الرجوع مباشرة إلى مصدر الجماعة الأول، وهو الأستاذ حسن البنا مرشدها العام، وواضع أصولها الفكرية. لم يكتب حسن البنا كتاباً في الفقه، أو تفسير القرآن، أو السيرة النبوية، أو أحكام الشريعة...

وإنما كتب "رسائل" موجهة إلى أتباعه ومريديه، لأنه كان يؤسس عقيدة، كما ورد في تلك الرسائل، ومؤسسو العقائد في تاريخ البشرية هم أصحاب "رسائل"، ولا يكتبون كتباً، وهذه عبارة حمالة أوجه، لكم تفسيرها كما تشاءون.

ويقول في بعض رسائله تحت عنوان التضحية: «بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية، وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه، ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم». وهنا نسأل: إذا كان المرء عضواً في الجماعة وقعد عن التضحية فهو آثم، فماذا عن خصوم الجماعة؟

ويقول البنا تحت عنوان «الطاعة»: «امتثال الأمر وإنفاذه توّاً، في العسر واليسر والمنشط والمكره.

ومراحل الدعوة ثلاث:

التعريف: وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة، بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة.

التكوين: استخلاص العناصر الصالحة، لحمل أعباء الجهاد، وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة في هذه المرحلة صوفي بحت من الناحية الروحية، عسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين دائماً (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة، ولا شك ولا حرج، وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة.

التنفيذ: والدعوة في هذه المرحلة جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة».

وهنا السؤال: هل هذه دعوة ودعاة أم نظام عسكري وقتال؟

هذه مجرد عينة عشوائية، تبين كيف ترى الجماعة الآخر، وكيف يعمل التنظيم داخلياً، والسؤال: ما هو الهدف؟ يقول البنا: «ونحن الآن وقد اشتدّ ساعد الدعوة، وصلب عودها، وأصبحت تستطيع أن توجِّه ولا توجَّه وأن تؤثِّر ولا تتأثر، نُهِيب بالكبراء والأعيان والهيئات والأحزاب أن ينضموا إلينا، وأن يسلكوا سبيلنا، وأن يعملوا معنا، وأن يتركوا هذه المظاهر الفارغة، التي لا غناء فيها، ويتوحدوا تحت لواء القرآن العظيم..

ويستظلوا براية النبي الكريم،ومنهاج الإسلام القويم. فإن أجابوا فهو خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وتستطيع الدعوة بهم أن تختصر الوقت والجهود، وإن أبوا فلا بأس علينا أن ننتظر قليلًا، وأن نلتمس المعونة من الله وحده، حتى يحاط بهم، ويسقط في أيديهم ويضطروا إلى العمل للدعوة أذناباً، وقد كانوا يستطيعون أن يكونوا رؤساء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

باختصار، هو الوصول إلى السلطة، وحكم الناس، ومن لم يكن معهم فسوف يضطر أن يكون من "الأذناب"، وطبعاً بالإكراه. كل هذا لا يهم، والأهم: هل يمكن أن تتشكل جماعة في دولة عربية لا تؤمن بهدف حسن البنا، أياً كان اختلاف البيئة والظروف ونظام الحكم وخصوصية المجتمع؟

يعني؛ هل توجد جماعة فصّلت لنفسها دستوراً خاصاً للدعوة فقط من دون هدف الوصول للسلطة، وتحويل من ليس معهم إلى أذناب؟ سؤال موجه لأي إخوان، في تونس وليبيا والجزائر والكويت والأردن ..إلخ. إذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا الارتباط باسم الإخوان، وعضوية التنظيم العالمي؟ والإخوان لهم ثلاث تجارب، حكم منفرد في ثلاث دول عربية، طالت في السودان فانفصل الجنوب، وطالت في غزة فتراجعت القضية الفلسطينية، ويكاد العالم ينساها، ولم تصبر مصر بحكم عوامل تاريخية وثقافية، فانفجرت فيها عمليات تفجير وقتل.

الجماعة فعلاً في منتهى الخطر.

 

Email