سقوط الطاغية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أبدعت الكاتبة المتميزة شيخة المسكري في مقالها يوم الثلاثاء الفائت (4 مارس الجاري)، في شرح مواصفات الطاغية المؤسسي والتأثير المدمر لهذه الفئة على بقية الموظفين في بيئة العمل.

وأثناء قراءتي للمقال سألت نفسي: كيف سيكون تأثير التعامل مع الطاغية على نفسيتي وبالتالي على صحتي في العمل؟

يتعرض الكثير من العاملين، إن لم نقل جميعهم، في شتى الوظائف إلى الضغط النفسي أثناء إنجازهم للأعمال المطلوبة منهم. وقد بينت الدراسات العلمية فائدة وجود قدر من هذا الضغط، لدفع العامل إلى الإبداع والجد وتنفيذ المهام الموكلة إليه. ولكن ماذا عن ضغط العمل الزائد عن الحاجة؟

وهل هو مفيد أو قد يعرض الشخص لمضاعفات غير مرغوب فيها، وأسباب هذا الضغط الزائد؟ في عام 1979 توصل العالم كاراساك إلى نظرية أثبتها الكثير من الدراسات العلمية، وهي أن من أكثر الوظائف التي يتعرض العاملون فيها للضغط النفسي العالي، هي الوظائف ذات السيطرة القليلة والطلب الكثير. والأمثلة كثيرة؛ مثل العاملين في خدمة العملاء، محاسبي الكاشير في الجمعيات والمحلات، وغيرهم من العاملين تحت الطلب الكبير، مع عدم القدرة على اتخاذ القرار في حينه والسيطرة على الموقف.

وهناك الموظفون الذين يقعون تحت رحمة مديرين مشوشي الأهداف، لا يؤمنون بأهمية تدريب الآخرين وينكرون حياة غيرهم، لا يثيبون ولكنهم يعاتبون ويلومون كثيراً، والأهم أنهم لا يقبلون نقداً ولا نصيحة..

ولا ننسى صاحبنا الطاغية المؤسسي. والنتيجة تكون التعرض لضغط نفسي عالٍ أثناء العمل، وما يتبعه من ترجمة هذا الضغط إلى أعراض وأمراض جسدية ونفسية واجتماعية، من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب، والإدمان على الكحول والمخدرات، ومحاولات الانتحار، وزيادة الخلافات العائلية..

وزيادة الإصابات نتيجة قلة التركيز. وأيضاً ذكر بعض الدراسات قابلية المعرضين للضغط النفسي العالي المرتبط بالعمل، إلى الإصابة ببعض أنواع السرطانات. وهناك فئة أخرى يتزايد عندهم الضغط دون أن يشعروا بذلك، وهم مدمنو العمل. فهؤلاء نتيجة لزيادة المسؤوليات وأعباء العمل عليهم، وبالأخص المديرين والرؤساء التنفيذيين، لا يستطيعون التفكير في غير العمل لدرجة الإدمان. إذا، هل نتوقف عن العمل؟ أم نقلل ساعات الدوام؟

 النقاش الدائم يدور حول نوعية العمل، وليس كميته. ولكن إذا استطاع أحدنا إنجاز المطلوب منه في ساعتين، فهل يرجع إلى المنزل؟ آخر الدراسات العلمية أثبتت أن العمل مفيد للصحة، وبالتالي يجب أن يكون هناك حد أدنى من ساعات العمل، بالإضافة إلى تناسب طبيعة العمل مع تخصص الموظف، للوصول إلى نتائج إيجابية وتجنب تولد الضغط النفسي المضر.

وهناك وسائل وأساليب عديدة لتجنب الوصول إلى نقطة الانكسار، منها طبيعة العلاقة بين المدير والموظف. فالعلاقة المبنية على الثقة والتفاهم ستجنب المدير إعطاء موظفيه أوامر ومهمات لا تتناسب مع تخصصاتهم، والمدير الذي يعطي موظفيه مساحة من الإبداع والمبادرة والعمل بروح الفريق، سيجنبهم الضغط النفسي، ويجعلهم يقبلون على العمل بشغف وحماس.

الحوافز المادية وغير المادية، تعتبر وسيلة أخرى لتقليل الضغط النفسي المضر في بيئة العمل. لكن الكثير من المؤسسات في الفترة الحالية، لا تستطيع استخدام وسيلة الحافز المالي إلا في نطاق ضيق. والموظف لا ينظر دائماً إلى الحافز المالي، فما هي الفائدة إذا كان الموظف يحصل على مرتب عالٍ، لكن المدير لا يوافق على إعطاء الإجازات أو تقبل بعض الظروف العائلية الطارئة للموظف.

شهادة تقدير أو كلمة شكر أو بطاقة تهنئة إلكترونية على موقع المؤسسة أو الدائرة، قد يكون لها أثر السحر على الموظف.. لقاء المدير مع موظفيه، ولو مرة في الشهر، على طاولة الإفطار والاستماع إلى مقترحاتهم، وسيلة أخرى.. إرسال رسالة نصية قصيرة للموظف في مناسبة غالية عليه، من زواج أو قدوم مولود، سيشعره بأنه غير منسي. لكن الأهم في كل هذا هو المصداقية، فالموظف يشعر بمصداقية الحافز أو عدمها. وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، والأجر هنا ليس بالضرورة فقط الراتب الشهري.

وهناك الكثير من الأفكار الإيجابية الأخرى، والتي بتطبيقها في بيئة العمل ستتولد طاقة إيجابية وبيئة عمل صحية، وسنكون قد قضينا على جميع مناورات صاحبنا في إحداث الفتنة وبث الطاقة السلبية، وبهذا نعلن سقوط الطاغية المؤسسي!

 

Email