هي الأنثى

ت + ت - الحجم الطبيعي

سكن للرجل، تحت أقدامها الجنة، كرمها الخالق من براثن الجاهلية وأناط بها تنشئة أجيال المستقبل، وقال فيها الشعراء إنها "مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق".. هي "المرأة".

وضعها الخالق في قالب جسماني ونفسي، يتناسب مع المهام ومع كل مرحلة عمرية تمر بها. لكن هناك تحديات إذا لم تؤخذ في الاعتبار، ستؤدي إلى نتائج عكسية وخيمة. أولى المراحل هي الطفولة. إغداق الحب والحنان على المرأة في السنوات الأولى من عمرها مهم جدا. وقد بينت الدراسات الأثر الإيجابي العميق لهذا الإشباع العاطفي عند بلوغها سن الزواج، ففاقد الشيء لا يعطيه. وأخص بالذكر الأب، فشحنات الحنان النابعة منه لها أثر السحر في شخصيتها ونفسيتها.

من ثم تدخل الفتاة مرحلة المراهقة المصيرية. تنطلق الهرمونات بكل عنفوان ونشاط، محدثة تغييرات على جميع الصعد، وخصوصا تأهيل جسم المرأة للحمل والإنجاب. هنا يجب الالتفات لتغذية الفتاة والتركيز عليه، لتأثيره في جودة عظام الحوض وأنسجة الرحم. كل هذا يصب في مصلحة حدوث حمل سليم وخالٍ من التشوهات في المستقبل.

ثالث المراحل هي الشباب. تنطلق المرأة في عالم الإبداع والعطاء، سواء في العمل أو المنزل، ولكن التحديات تطاردها على الدوام. ففي السنوات الأخيرة زادت نسبة انتشار سرطان الثدي عند النساء، ولم تقتصر على من فوق الأربعين، وبالذات عند وجود تاريخ مرضي في العائلة.

لكن ما هي أسباب الزيادة؟ أسباب عديدة، لكن التقرير الأخير للمكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية، كشف المستور ولخصها في المعادلة الانتحارية: الجلوس أمام ولائم الموت وعدم الحركة.. والنتيجة؛ سمنة قاتلة وسرطان فتاك.

مجتمعاتنا الخليجية ولسنوات طوال، تعاملت مع السرطان بخوف وعار، لدرجة عدم لفظ الكلمة نفسها. وهذا التراث جعل من الصعوبة تداول المرض من منظور الوقاية، وبالتالي تجاهل الكشف المبكر، ما سبب زيادة في عدد الحالات. إذا، بممارسة الفحوصات الوقائية بشكل دوري ومستمر، تمكن السيطرة على العديد من أنواع سرطان الثدي.

واللطيف أن أول خطوة وقائية تتمحور حول الفحص الذاتي للثدي، وهو مجاني بالكامل، وتستطيع كل امرأة تعلم هذا الفحص البسيط. من ثم هناك فحص الأشعة الخاص بالثدي (الماموغرام) والسونار وو.. إذا، أسلحة الوقاية والكشف المبكر موجودة، لكن الأهم هو كسر النظرة السلبية.

وبما أن الحديث عن السرطان غير مرغوب فيه، سأذكر بعجالة سرطان عنق الرحم، والذي سطع نجمه في الآونة الأخيرة. من لطف الله توصلت مراكز الأبحاث لفحوص وقائية تستطيع الكشف المبكر عن الخلايا غير السليمة في عنق الرحم، وإنقاذ النساء منها، وفي الآونة الأخيرة تم اعتماد لقاح يوفر حماية طويلة المدى من الجرثومة المسببة للسرطان.

الحمل والولادة مرحلة مفصلية في حياة الكثير من النساء. وغني عن التعريف أهمية التغذية السليمة، والابتعاد عن التدخين وغيره من مسببات الأذى للجنين، لكن الناحية النفسية مهمة جدا للخروج بنتائج إيجابية. الابتعاد عن المشاحنات والعنف الأسري، ركيزة أساسية لإنجاب أطفال أسوياء. الكثير من الأبحاث العلمية، وجد علاقة قوية بين عدم الاستقرار الأسري وزيادة الخوف والقلق عند الأطفال في مراحل النمو المختلفة.

تأتي مرحلة مهمة جدا بعد الحمل، وهي مرحلة "الرضاعة الطبيعية" التي بينها القرآن واهتم بها. وما زالت الدراسات يوما بعد يوم ترفدنا بفوائد الرضاعة الطبيعية، على الأم والرضيع، على المدى القصير والطويل، وللحديث عنها نحتاج إلى مجلدات وليس مقالا. لكن أحببت أن أذكّر الحراك الإيجابي في ييئات العمل المختلفة في الدولة، بخصوص توفير حاضنات وغرف خاصة، لكي تستطيع المرضعة العاملة إخراج الحليب والاحتفاظ به للإرضاع. وهنا أود أن أوجه تحية للمجلس الوطني الاتحادي وجهود أعضائه الجبارة في إعداد قانون حقوق الطفل، والتركيز على الرضاعة الطبيعية في مسودة القانون.

وأخيرا نصل لمرحلة سن اليأس وتوقف هرمونات الأنوثة عن الإفراز والعمل. هنا تظهر تحديات جديدة، فمن زيادة قابلية التعرض لأمراض القلب، إلى عظام هشة سريعة الكسر، تصبح المرأة وتمسي أمام هذه الأحمال الثقيلة. وسواء كانت طفلة أو فتاة، أو أما أو أختا أو زوجة أو بنتا.. تبقى في النهاية هي "الأنثى".

 

Email