تفاقم الأزمة الحكومية في لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعيش اللبنانيون منذ أكثر من عشرة أشهر، مأزق ولادة حكومة المصلحة الوطنية برئاسة تمام سلام، الذي أكد مراراً على الثوابت المعتمدة في تشكيلها، لجهة ميثاقيتها وتمثيل جميع القوى اللبنانية الفاعلة في إطار حكومة وطنية جامعة. لكن الشروط والشروط المضادة أفضت إلى عدم الإعلان عنها، وكثر الحديث عن حكومة تكنوقراط أو حكومة أمر واقع.

وفي ظل نظام سياسي بُني على توازنات طائفية ومذهبية هشة، باتت الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان عاجزة عن تشكيل الحكومة. وبدا اللبنانيون في حالة إحباط ينتظرون التوافق الدولي والإقليمي، بسبب فشل قادتهم في إدارة شؤونهم وإدخال وطنهم في فراغ سياسي بالغ الخطورة، وسط ظروف إقليمية متفجرة.

وبدا واضحاً أن الطبقة السياسية فقدت الحس بالمسؤولية الوطنية، ما يجعل التوافق الإقليمي والدولي لحماية لبنان وتجنيبه مخاطر حرب أهلية، مسألة بالغة الصعوبة في غياب حكومة وطنية جامعة ودستورية. كما أن الاستعاضة عنها بحكومة الأمر الواقع، هو أقصر الطرق نحو الفوضى والفتن الطائفية، بتأثير الأزمة السورية التي هزت لبنان عبر الكثير من العمليات الإرهابية والانتحارية.

يتجه لبنان اليوم نحو أزمة كبيرة في حال لم تنجح الحكومة الجديدة في طمأنة اللبنانيين أو تحول الإعلان عنها إلى مجابهة علنية، وبمختلف الوسائل المتاحة، بين الفريقين المتناحرين على السلطة، إذ يقتضي تشكيل الحكومة السياسية الجامعة، حرصاً من جميع الأطراف على تذليل العقبات التي تحول دون مشاركة جميع الأفرقاء بأوزانهم الفعلية.

فظروف لبنان الداخلية والحرب المستمرة في سوريا، لا تسمح باعتماد رهانات خاطئة لتشكيل حكومة غير ميثاقية، أو تخالف بنود الدستور اللبناني، أو تهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، والعيش المشترك بين الطوائف اللبنانية.

تتخوف دول عربية وأوروبية من أن يتحول مأزق تشكيل الحكومة إلى أزمة ميثاقية ووطنية، تقود إلى فراغ سياسي على مختلف الصعد، بدءاً برئاسة الجمهورية، ومروراً بالمجلس النيابي، وصولاً إلى حكومة أزمة.

علماً بأن معطيات الأيام القليلة الماضية حول عملية التأليف، كانت تحمل انطباعات إيجابية على أن ولادة حكومة المصلحة الوطنية الجامعة باتت قريبة جداً، بعد أن تداول الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية تحديد الأسماء وتوزيع الحقائب في وزارة توافقية.

وفجأة تحول التفاؤل إلى تشاؤم، وكثرت التصريحات التي تحذّر من مخالفة الدستور والإعلان عن حكومة الأمر الواقع التي تفجّر الأوضاع الهشة في لبنان. وبرز قلق شديد لدى اللبنانيين من أن تؤدي عملية تشكيل حكومة الأمر الواقع إلى تكريس الفراغ القائم في السلطة التنفيذية، من خلال حكومة جديدة تتحول فوراً إلى حكومة تصريف أعمال.

ليس من شك في أن فشل الوصول إلى حكومة وطنية جامعة، يشكل نكسة سياسية تعقبها انعكاسات سلبية على الأوضاع الأمنية المتفجرة. كما أن حكومة الأمر الواقع تنسف ركائز التوافق اللبناني لإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، لأن تلاقي القادة اللبنانيين يصبح مستحيلاً، داخل البرلمان وخارجه، في حال لم يتم التوافق على تشكيل حكومة جامعة.

وحذّرت التقارير الإسرائيلية من عدم الاستقرار في الدول المحيطة، خاصة في سوريا ولبنان، لأنها تهدد أمن إسرائيل. وهي لن تقف متفرجة على ما يجري حولها من دخول آلاف المقاتلين من تنظيم القاعدة ومتفرعاتها إلى الساحة اللبنانية.

وقد تغتنم الفرصة لاحتلال مناطق واسعة من لبنان، تحت ذريعة الحفاظ على أمنها. كما أن ثروات لبنان الطبيعية من النفط والغاز، ستصبح لقمة سائغة لإسرائيل في حال تفكك النظام اللبناني وعجزه عن تفعيل مؤسساته التشريعية والتنفيذية والعسكرية.

دلالة ذلك أن الحفاظ على الاستقرار في لبنان لم يعد فقط حاجة لبنانية، بل ضرورة إقليمية ودولية، لأن انفجاره يهز ركائز منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ولم تعد المسألة تقتصر على ضرورة قيام حكومة وطنية جامعة، بل تفعيل جميع المؤسسات اللبنانية للحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله. لذا نشطت الاتصالات الداخلية والإقليمية لتأخير تشكيل الحكومة، واستجاب الرئيس المكلف مراراً لدعوات التريث، خوفاً من أن يؤدي الإعلان عن حكومة الأمر الواقع إلى العنف الدموي في الشارع اللبناني.

بقي أن نشير إلى أهمية التوافق اللبناني لتشكيل حكومة جامعة، بدلاً من بقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية وتوليها صلاحيات رئيس الجمهورية في حال عدم انتخاب رئيس جديد.

ويتخوف رئيس الجمهورية من عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، ما يضطره لتسليم إدارة الحكم إلى حكومة تصريف الأعمال الحالية. لذلك يسعى لتشكيل حكومة جامعة تحظى بثقة الجميع، ويهدد بحكومة الأمر الواقع للتخلص من الحكومة الحالية ذات اللون الواحد.

تفرض المبادئ الدستورية الأساسية لتشكيل الحكومة في لبنان، أن تكون ميثاقية تمثل التركيبة السكانية والاتجاهات السياسية الكبرى، وتحترم دستور الطائف. والهدف الأساسي منها أن تحافظ على مصلحة لبنان العليا، وأن تُشكّل مظلة فوق الجميع، وأن تحمي لبنان من مخاطر الحرب في سوريا، وأن تتوافق على استراتيجية وطنية للدفاع عن لبنان، بالاعتماد على القوى العسكرية اللبنانية التي تتولى حصرياً امتلاك السلاح.

يبدو أن ملف تشكيل حكومة المصلحة الوطنية، يطرح اليوم علامات استفهام كبيرة حول الأهداف المعلنة والمضمرة التي أخرت الإعلان عنها، بعد التفاؤل الذي أعقب الاتفاق على الصيغة العددية، وقبل الدخول في تعقيدات المداورة وتوزيع الحقائب وتحديد الأسماء.

فالأهداف المبيتة أفشلت صيغة التوافق، ولم تعد المسألة تتوقف عند إعلان التشكيلة، بل بما يعقبها من مواقف سلبية.

فحكومة الأمر الواقع ستجهض في المهد بعد الطعن في ميثاقيتها، وقد تؤدي إلى تمنع بعض الوزراء الحاليين عن تسليم وزاراتهم للوزراء الجدد، فتقود إلى صدامات دموية في الشارع. ونبه قائد الجيش في حديثه بتاريخ 7/1/2014 أمام حشد كبير من الضباط من مختلف الرتب والمواقع، إلى أن لبنان يعيش مرحلة حرجة من تاريخه.

والمخاوف تكبر مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، وفي ظل التحديات الأمنية يبقى الجيش صمام أمان الوطن.

ختاماً، طالب حكماء الصيغة الطائفية في لبنان بالتريث في إعلان حكومة الأمر الواقع، وتجنب مخاطر تجاوز الصيغة الميثاقية. والجميع ينتظر تدخلات خارجية لتشكيل حكومة جامعة، تمنع انزلاق لبنان نحو انفجار شامل وصراعات دموية.

Email