«الإخوان» والمصالحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل ثمة علاقة مباشرة بين بيان البرلمان الأوروبي عن الأحوال في مصر، وأحاديث المصالحة مع «الإخوان» وقد اتسعت رقعتها في الآونة الأخيرة؟

ربما تبدو العلاقة المباشرة بينهما مستحيلة، وأن بيان البرلمان الأوروبي عن التوافق الوطني ووقف العنف وأحاديث المصالحة، مجرد توارد خواطر «عابر للقارات» في توصيف أزمة حادة في دولة محورية في الشرق الأوسط، وربما يتشاركان في رد فعل المصريين الرافض لهما.

لكن إذا أعدنا صيغة السؤال: وهل ثمة علاقة تربط البيان والأحاديث بتحركات التنظيم العالمي لجماعة الإخوان والتحريض ضد مصر 30 يونيو؟ فقد نحصل على إجابة مختلفة تثير كثيراً من التحفظ، وتفسر رفض المصريين.

بالطبع هذه تساؤلات حاسمة، قد تحدد شكل مصر في الشهور القليلة القادمة، وهي مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية في غاية الخطورة، وأيضاً هي تساؤلات مشروعة لا تصدر عن شكوك نابعة من نظرية مؤامرة، وإنما لأن التزامن ملفت للنظر، والأهم أن الحالة المصرية ليست محلية الصنع تماما، وإنما هي خليط من تدخلات خارجية وأعمال داخلية معقدة، تلعب كلها على أوتار شعب مأزوم، وعليها قرائن ووثائق ومصادر تمويل.

ودعونا نغفل هذه العلاقة مؤقتا، ونضعها في خلفية الأحداث مثل الموسيقى التصويرية في فيلم مثير، وندلف إلى السؤال الأهم: هل يمكن أن تجري مصالحة في ظل العنف الحالي الذي يعمل على تقويض الدولة المصرية نفسها؟

صحيح أن أحاديث المصالحة متعددة ومتنوعة، لكن مبادرة الدكتور حسن نافعة أخذت المساحة الأكبر من الاهتمام الشعبي والإعلامي، وقد سبقت بيان البرلمان الأوروبي بفترة، وبعد أن قدمها مكتوبة إلى شخصية رفيعة المستوى في السلطة المصرية، لم يبح باسمها.

وتبدو المبادرة نبيلة الغرض في ديباجتها، فمن هو الذي يرفض «خارطة إنقاذ» للوطن من محنته الراهنة، ودخول الجميع في معترك السياسة لا الأعمال المسلحة.. لكن التدقيق في المبادرة يكشف عن قدر من التناقض، فهو يساوي بين الدولة والجماعة كما لو أنهما طرفان متكافئان في حالة صراع، لا يمكن لأي طرف حسمه، بل إن الجماعة قادرة على خوض حرب استنزاف طويلة الأمد تهدد بتفكيك الدولة، وبالتالي ليس أمام الدولة إلا قبول المصالحة.

والسؤال: ولماذا تقبلها الجماعة؟ ألا يعني التهديد بتفكيك الدولة حسم الصراع لمصلحة الإخوان، وهم في الأصل كانوا يعملون على تفكيكها وإعادة تركيبها على نحو يمكنهم من حكمها خمسمائة عام؟

المدهش أن التاريخ الإنساني لا يحمل تجربة صراع في أي دولة على وجه الأرض، تمكنت فيها جماعة لا يزيد عدد أعضائها وحلفائها على واحد في المائة من عدد السكان، من تقويض أركان هذه الدولة، فما بالك لو كانت هذه الدولة هي الأقدم في التاريخ؟

لا تهم هذه التناقضات، وهي كثيرة، ومنها تشكيل لجنة حكماء مهمتها الإشراف على وسيط أو ثلاثة وسطاء يعملون على تنفيذ شروط المصالحة بين الطرفين، وتتكون من ثماني شخصيات عامة هم: الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيساً، والمستشار طارق البشري، والدكتور محمد سليم العوا، والأستاذ فهمي هويدي، والدكتور جلال أمين، والدكتور زياد بهاء الدين، والدكتور مصطفى حجازي، والدكتور حسن نافعة، فأغلب أعضائها، عدا الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل والدكتور جلال أمين، إما منحازون للجماعة بمواقف معلنة وكتابات دامغة (البشري والعوا وهويدي)، وإما عليهم علامات استفهام شعبية سواء كانت صحيحة أو خاطئة (بهاء الدين وحجازي).

وقد قدم الدكتور زياد بهاء الدين استقالته من منصبه نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للتعاون الدولي، تحت ضغط شعبي جارف واتهامات كانت تطارده علناً بأنه «طابور خامس»، أي أنها لجنة حكماء يستحيل أن تقبل بها غالبية المصريين، وتفوح منها روائح الانحياز للجماعة، وأتصور أن الأستاذ محمد حسنين هيكل لن يرضى برئاستها، لأنه قرر منذ وقت طويل البعد عن العمل العام المباشر، إلا بإبداء رأيه في حوارات صحفية وتليفزيونية. ويبدو أن هذا التشكيل كان السبب الأول لغضب المصريين من المبادرة، والتعريض بصاحبها إلى حد الإهانة.

وإذا كانت المبادرة تتكون من حوالي ألفي كلمة تقريبا، عن تخلي كل الأطراف عن استخدام العنف والتهديد به، ووقف المظاهرات والاحتجاجات والقصف الإعلامي المتبادل، والإفراج عن المعتقلين من القيادات غير المدانين في جرائم عنف.. الخ، فإن أهم ما فيها على الإطلاق أو مربط الفرس من إطلاقها، هو «البحث عن آلية تضمن مشاركة الجميع في الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية»، أي عودة الجماعة إلى الحياة العامة ويا دار ما دخلك شر، كما لو أن شيئا لم يحدث في الشهور الثمانية الأخيرة، لا عمليات مسلحة في سيناء، ولا تفجيرات مديريات أمن، ولا قطع طرق، ولا اغتيالات...

وتأتي المبادرة بعد الموافقة الشعبية على الدستور المعدل، واقتراب انتخابات الرئاسة، وهو ما جعل «الفأر يلعب في عب المصريين»، خاصة مع توقيت بيان البرلمان الأوروبي، فرفضوهما معاً.

Email