السلام المستحيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ستة أشهر مضت حتى الآن على بدء المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أميركية، أنتجت حقيقة واحدة، وهي أن السلام بين الجانبين غير ممكن تحقيقه في ظل موازين القوى الراهنة، سواء على المستوى المحلي والإقليمي أو على المستوى الدولي.

المحاولة التي تقوم بها إدارة الرئيس الأميركي أوباما لتحقيق اختراق، تتمتع بالجدية وتحظى بدعم دولي، لكنها تفتقر إلى الحيادية والنزاهة، وتفتقر أيضاً إلى الاستعداد لتوظيف القدرة الأميركية في الضغط على إسرائيل لتغيير مواقفها إزاء كل ملفات الوضع النهائي.

ففي ضوء موازين القوى الراهنة التي تميل على نحو واضح لصالح إسرائيل، وانشغال العرب بشؤونهم الداخلية، وفي ضوء محدودية الدور الروسي، فإن إسرائيل لا ترى في هذه المرحلة أن عليها التخلي عن أطماعها في الضفة الغربية، بل إنها تتطلع لتوسيع دورها ونفوذها ومصالحها في الإقليم.

لا شيء ولا أحد يرغم إسرائيل على التراجع عن رؤيتها التوسعية وأطماعها، فلا الفلسطينيون في وضع يسمح لهم بذلك، ولا العرب قادرون، ولا محصلة علاقات القوى الدولية تسمح بفرض عملية سلام على الطرفين، بعد كل ما مضى من وقت على بداية عملية السلام بسريان مفعول اتفاقية أوسلو.

الرئيس أوباما الذي عبر عن تفاؤله مع نهاية العام المنصرم، عاد ليعبر عن تشاؤمه مع بداية هذا العام، حيث صرح في 13 يناير الجاري بأن "فرص كيري في التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين تقل عن خمسين في المئة". والأمين العام للأمم المتحدة بدوره، عبر عن قلقه من أن فشل المساعي الرامية لحل ما أسماه بالأزمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، قد يجلب دوامة عنف أخرى، ورغم اعترافه بأن استمرار الاستيطان الإسرائيلي في خرق واضح للقوانين الدولية، لن يمكن من تحقيق السلام على المدى الطويل، إلا أنه ومنظمته لا يفعلان شيئاً لوقف هذا الخرق الواضح. حتى الآن يحاول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فحص مدى اتساع الهوة بين الطرفين، ويواصل طرح أفكار عامة عليهما، غير أن محصلة الفحص لا توفر له الإمكانية لطرح مبادرة سلام متكاملة كأساس للتفاوض الذي لا يستند إلى أي مرجعية معترف بها، سوى ما يطرح على الطاولة.

تلخص مصادر قريبة من المفاوضات مواقف الطرفين إزاء كل الملفات، على نحو لا يترك مجالاً لنجاح أية أفكار أو محاولات أميركية في جسر الهوة وتحقيق اختراق.

يعارض الإسرائيليون منح الفلسطينيين مساحة من الأرض تساوي مساحة الضفة الغربية عند احتلالها عام 1967، ويطرحون مبادلة أرض مع سكانها، بهدف التخلص من منطقة المثلث التي يسكنها نحو ثلاثمئة ألف فلسطيني. ويرفض الإسرائيليون أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، إلى جانب رفضهم مشاركة قوات أميركية ـ أردنية - إسرائيلية وفلسطينية في الانتشار على الحدود مع الأردن، كما يرفضون أي اقتراح بشأن عودة لاجئين فلسطينيين، وهم متمسكون بضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية.

والحال أن إسرائيل تواصل تصعيد شروطها وعدوانها سياسياً وميدانياً، وإظهار المزيد من التشدد، بحثاً عن نافذة هروب تعفي حليفتها الولايات المتحدة من إعلان فشل كيري، وتتجنب انهيار المفاوضات وتحمل المسؤولية عن ذلك.

في مثل هذه الأوضاع، وعندما تشعر إسرائيل بوجود أزمة من هذا النوع قد تلحق أضراراً بوضعيتها وعلاقاتها الدولية، تلجأ إلى مخارج معروفة، كحل الحكومة أو الدعوة لانتخابات مبكرة، أو افتعال عدوان كبير أو حرب.

اللعبة الإسرائيلية باتت مكشوفة، ولذلك فإن أقرب هذه المخارج أو المهارب للتداول، تشير إلى عمليات التصعيد التي تقوم بها القوات الإسرائيلية منذ بعض الوقت ضد قطاع غزة، حيث يتدرج التصعيد إلى الحد الذي لا يمكن احتماله من قبل الفلسطينيين. إن عدواناً من هذا المستوى، يقترب موعده مع اقتراب المهلة المحددة لانتهاء أجل المفاوضات في إبريل المقبل، ربما سيؤدي حسب التوقعات الإسرائيلية إلى إحراج الطرف الفلسطيني المفاوض، ويدفعه نحو المبادرة لوقف المفاوضات قبل إنهاء المدة المقررة لها، فيكون هو السبب في وقف وفشل المفاوضات.

ورغم أن مصادر إسرائيلية تعترف بأن حركة حماس في غزة، بالتفاهم مع الفصائل الأخرى، نجحت في ضبط النفس ومنع إطلاق صواريخ على إسرائيل رداً على الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أن تلك المصادر تتحدث عن جماعات سلفية متطرفة، غير منضبطة، تراهن عليها لتوفير الذريعة التي تنتظرها إسرائيل. ومما تقدم، فإن فرصة كيري وحلمه بتحقيق اختراق، آخذة في النفاد، ولا يبدو أن ما تبقى من وقت كاف لتجاوز السدود الضخمة التي تضعها إسرائيل في الطريق، وأنه لم يعد أمام وزير الخارجية الأميركي سوى أن يتجنب السقوط في الفشل، وذلك من خلال إقناع الطرفين بمواصلة المفاوضات حتى نهاية العام الحالي.

وسواء نجح كيري أو فشل في تمديد الفرصة المتاحة للمفاوضات، فإن إمكانية تحقيق السلام لم تعد قائمة في هذه المرحلة، الأمر الذي ينقل الطرفين إلى مربع الاشتباك الواسع، والبحث عن خيارات أخرى بديلة عن الرعاية الاحتكارية الأميركية.

لا يكفي بالنسبة للفلسطينيين أن يتوجهوا بكل قوة إلى الأمم المتحدة، كإطار ومرجعية، ولخوض معركة عزل إسرائيل ومحاسبتها، والحصول على مكانة العضوية الكاملة، لأن مثل هذا التوجه ينطوي على مواجهة مع الولايات المتحدة، التي ترفض ذلك جملة وتفصيلاً.. بل عليهم أن يستنهضوا قوى دولية أخرى كروسيا والصين، فضلاً عن ضرورة الاستعجال في ترتيب البيت الداخلي، وتفعيل ما لديهم من أوراق القوة، على تواضعها ومحدوديتها.

Email