صراع المجد والحب

ت + ت - الحجم الطبيعي

المجد هو مزيج من معاني النبل والسمو والعز، أو نسيج من المكانة والرفعة والعظمة، وذوو المجد هم ذوو المكارم المأثورة والمقام العالي والمكانة المرموقة، كما أن المجد هو إحراز المرء مقام حب واحترام، قال ماركوس سيسيلو "كلما كانت المتاعب أصعب كان المجد أكبر"، وقال وليام باركي "التحمل ليس فقط أن نطيق شيئاً، بل أن نحوله إلى مجد"، بينما قال نابليون "كل مجد لا بد زائل".

أما الحب فهو شعور فسيولوجي يؤثر على سلوك الشخص، وهو الإعجاب والانجذاب بين شخصين، وهو شيء داخلي ينشأ في ذات الإنسان ويسيطر على حواسه، وقد ينظر إليه على أنه كيمياء متبادلة بين اثنين، قال إيليا أبو الماضي "الحب هو أعلى قمة في جبل الحكمة"، وقال طاغور "كلمة واحدة تبقى لي حين أموت: أنني أحببت"..

ويقال إن الحب هو أكبر طاقة لم يتم اكتشافها بعد. وبالإمكان ترجمة الحب على أنه الطاقة الكامنة لاختراق عالم أكثر رونقاً ونضارة، أو الاقتحام لمستويات أكثر غزارة بروح الحياة، أو الكبسولة السحرية للإحساس بالذات وملامسة الواقع والحقيقة المجردة، والتحول إلى طور جديد أكثر إدراكاً وإحساساً بالمحيط، وقد تكون لها علاقة بالصحة الجيدة والشباب الدائم والإنتاج المتدفق..

وللحب تسميات ومراحل، منها: الهوى، الوجد، الشغف، العشق، الود، الغرام، الهيام، وله أنماط منها الحب الأفلاطوني، والحب الرومانسي، والحب العفيف وغيرها. وهناك تحديات كثيرة قد تواجه المتبارز في خضم صراع الحب والمجد، أبرزها التحديات الاجتماعية، وقد نسجت قصص وروايات وفيرة تحكي معاناة الصراع بسبب الطبقات والفروقات الاجتماعية أو مقاساة الأسر تحت الضغوط والروابط الاجتماعية.

وقد يتباين توهج الحب والمجد من زمن إلى آخر ومن بقعة إلى أخرى، فكلاهما له بريق وضياء لامع، وفي زمننا الحديث بدأ وهج المجد أكثر وميضاً، وهناك عوامل عدة أدت إلى ذلك، منها ظهور أدوات جديدة على الساحة الفكرية والنفسية، وقد فرضت الحياة العصرية بأدواتها المتعددة، انحسار العواطف بأشكالها، واحتلت الماديات مجمل الميادين والمسارات، وبات الإنسان أكثر لهاثاً وراء امتلاك التقنيات والأدوات العصرية الجديدة.

ويعتبر المجد أحياناً العدو اللدود للحب، وعندما يحتار الإنسان بين المجد والحب، فمن العسير جمع الحب والمجد معاً على كفتي ميزان واحد، فالحب حياة حقيقية لحظية أما المجد فهو حياة جامدة أزلية، وفي حالة الحرب بين الحب والمجد، في الغالب يكون المجد هو الظافر الطاغي في المعركة. كما تحتل الحروب والكوارث والأمراض والأوبئة والأزمات الاقتصادية والسياسية الصدارة في امتلاك الأسلحة الفتاكة، التي تبني أو تهدر تماثيل ورموز الحب والمجد.

وصعود الحب أحياناً لا يتطلب كنوزاً أو ممتلكات مالية، بقدر امتلاك الشخص لسمات روحية نابغة، كالشجاعة والوفاء والذكاء والصدق والشفافية، إلى جانب الثراء الثقافي والإنساني والفكري والأدبي.. كما يعتمد الحب على نظرة الإنسان الشخصية للعالم، بينما المجد يتعلق بنظرة الآخرين له، وهناك حب حقيقي وآخر وهمي، كما أن هناك مجداً حقيقياً ومجداً زائفاً.

قد يظفر المرء بما تمنى ويحظى بغايته، إلا أن هناك منعطفات وعرة وطرقاً مشاكسة أحياناً للصعود إلى سماء الحب وقمم المجد. كثيرون وقعوا عند تسلق أول سور، وكثيرون استسلموا عند عبور أول جسر، وكثيرون تراجعوا بعد خدوشات بسيطة..

وقد تحيط مفهوم الحب أحياناً هالة من الغموض، أسئلة مبهمة ترنو وتقف كسياج محصور، فهل وراء ذلك الأفق الخلاب والشلالات المتدفقة يكمن وجود ذاك الأريج الساحر أو شرارة تسفر عن وجه عصر خيالي؟ هل المسارات غافلة عن شطر دروب أكثر إشراقاً ولمعاناً؟ ماذا لو بعد معارك جسيمة وطرق وعرة لاجتثاث تلك الخميرة السحرية تجلت جذور حقيقة؟

وهي أن ثمار تلك الشجرة المتلألئة عقيمة، وأن ذلك العالم المبهم كان مجرد وهم ودرب يحيطه سراب وخيال كاذب. رحلة الحياة بالآخر فانية، كما أن الحب ليس مقتصراً على حب المرأة للرجل أو الرجل للمرأة، فهناك أنواع أخرى من الحب، كحب الله عز وجل، الحب الأخوي، حب الأم، وحب الوطن.

الحب والمجد يجتمعان ويسموان معاً في النهاية، بالتضحية والعطاء اللامحدود والالتزام بالواجبات تجاه الدين والوطن وأفراد المجتمع والأسرة، وبالتحلي بالقيم وسمات خلقية وإنسانية رفيعة.

Email