جريمة عجيبة جداً

يتشابه عالم الجريمة مع عالم الجراثيم والفيروسات بدرجة مذهلة، قد تصل إلى حد التماثل، فالجريمة ليست حالة طارئة مع البشر، قد تكون قرارا مفاجئا أو استثنائيا، لكنها مخلوقة معه، وهي خروج بالأذى المادي على ما أمرت به الأديان للحفاظ على النفس والمال والعرض، وعلى ما يعتقده الإنسان صحيحا وسنه في قوانين وعقوبات. وقد وقعت أول جريمة بالأكل من الشجرة المحرمة، أي أخذ الإنسان ما لا يحق له وهذا سطو واستيلاء، ثم وقعت الجريمة الكبرى بقتل الأخ لأخيه، وهذا سفك دماء واستلاب أرواح. والسؤال: من الذي علم آدم أخذ ما ليس له حق فيه؟ ومن الذي علم قابيل قتل أخيه هابيل ولم تكن الدنيا قد عرفت رائحة الدم وقتها؟

حتى لو أرجعنا الأمر إلى وسوسة الشيطان، فالشيطان يستغل حاجة فاسدة في النفوس.. وهذه هي بيئة الجراثيم والميكروبات. صحيح هي موجودة في الطبيعة، لكنها تنشط في البيئة الفاسدة دوما.

وكثير من الجرائم التي يرتكبها بشر، هي بتحريض عنيف من بيئة فاسدة وأفكار فاسدة، وقد تكون تلك الجريمة - التي سوف أحدثكم عنها - نموذجا مثاليا على ما تفعله الأفكار الفاسدة وبيئتها في عقل إنسان عادي هو أبعد ما يكون عن الجريمة، وكان من المحتمل أن تمضي حياته كلها دون أن يدخل قسم شرطة مدعيا أو مبلغا عن جريمة.. فما بالك بأن يدخله متهما بجريمة قتل مع سبق إصرار وترصد عقوبتها الإعدام شنقا؟!

مجرمنا ليس إنسانا عاديا فحسب، ولا هو من هؤلاء الطيبين الذين يدعون الناس إلى المشي جنب الحائط حتى لا يجلبوا على أنفسهم المتاعب، إنما هو داعية إلى الله، مؤذن في مسجد بقرية مصرية من أعمال محافظة الجيزة، والحكاية فعلاً أغرب من الخيال، وهي أقرب إلى فيلم سينمائي مثير منها إلى واقع مُعاش.

المؤذن رجل في حاله، شاب في العشرينيات من عمره، متدين، معلوماته في الإسلام محدودة وأغلبها، كما هو الحال مع معظم أنصاف المتعلمين والأميين، تدور حول الحدود في الشريعة الإسلامية كما يفهمها العوام وشيوخ العشوائيات الفضائيين، ويعيش في قرية بمركز الصف جنوب شرق القاهرة، خليط مشوه من الحضر والريف، يعني لا هي حضر بقيم الحضر، ولا هي ريف بتقاليد القرية، وفيها عاطلان في غاية الصفاقة والسفالة والإجرام، العاطلان حولا حياة الناس فيها إلى جحيم: الخروج عليهم في الطريق وسرقة ما في جيوبهم وأيديهم مهما كان قليلا، اقتحام البيوت والاستيلاء على ما يقدران عليه، السطو على حظائر الماشية وسرقة ما فيها من حيوانات وبيعها في الأسواق علنا، دون أن يجرؤ صاحب الحق على الاعتراض، قطع الطريق العام وسرقة السيارات المارة والتفاوض على إرجاعها مقابل فدية، التعرض للنسوة وانتهاك حرمتهن بالأيدي.. الخ.

وكانت الناس تئن بالشكوى وتعاني من الذل والهوان، وخاصة أن الأهالي أنفسهم استكانوا ولم يواصلوا الإبلاغ عن تلك الجرائم، رغم أنهم يعرفون العاطلين بالاسم والهيئة. وقرر المؤذن أن يضع حدا بنفسه لهذين المجرمين، وكانا يختبئان في منطقة جبلية على امتداد جبل المقطم شرق القاهرة. وفك المؤذن الشاب تحويشة العمر واستلف عليها "قرشين" من أولاد الحلال، واشترى بالمبلغ بندقية آلية وكميات كبيرة من الطلقات من السوق السوداء، وهي سوق مزدهرة.

وبعد صلاة العشاء خبأ الشاب المؤذن بندقيته الآلية بين طيات جلبابه الواسع وتوكل على الله وطلع الجبل، رآه العاطلان معتادي الإجرام من على تلة عالية وهو قادم على طريق ضيق مكشوف لمن يعتليه، اندهشا قليلا، فهذه أول مرة يأتي المؤذن إلى هذا المكان المهجور الخطر، وتصورا أن الشاب جاء يتفاوض على استرداد مسروقات مقابل فدية، خاصة أن بعض هذه المسروقات يخص بعض أقاربه. وبمجرد أن ظهرا أمامه واضحين، أخرج السلاح الآلي بسرعة وضغط على الزناد ولم يتوقف إلا بعد أن أفرغ كل ما في خزنته، وسقطا ممددين على الأرض بلا حراك وخيوط الدم تنساب بغزارة من الجسدين، ثم دخل المغارة التي كانا يعيشان فيها، فوجد "جركن" من الغاز سكبه عليهما وأشعل النيران وغادر المكان في هدوء!

اختفى المجرمان من المنطقة ولم يعد يسمع لهما أحد حسا أو خبرا، ويبدو أن دليلاً أو معاونا لهما من أهل القرية قد عثر على جثتيهما، وبطريقة ما أبلغ الشرطة، وكالعادة يسقط المجرمون الهواة بسرعة البرق في قبضة رجال الأمن، وسقط الشاب المؤذن، وحين فتشت الشرطة مسكنه عثرت على مفاجأة مذهلة، وهي قائمة بأسماء 30 مجرما وبلطجيا يعيثون في المنطقة فسادا، وكان يخطط لقتلهم بنفس الطريقة.

واعترف في النيابة: نعم قتلتهما ونفذت فيهما حد الحرابة جزاء ما صنعوه في الناس.. وهذا شرع الله ولست نادما على ذلك!

هل ثمة علاقة بين فهم هذا المؤذن للدين وجريمته، وبين فهم جماعة الإخوان للدين وعنفها ضد المصريين؟