الإخوان المسلمون المصريون.. الإقصاء والاستئثار

ت + ت - الحجم الطبيعي

جدد الإخوان المسلمون المصريون، بعد أكثر من ستين عاماً من اغتيال محمود فهمي النقراشي من قبل التنظيم الخاص بهم، ممارساتهم الإرهابية، التي حصلت في أربعينيات القرن الماضي، وتراجعت في مطلع الخمسينيات بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، واعتقد كثيرون أن حركة الإخوان تخلت عن العنف، وأعمالها الإرهابية بعد فشلها المتتالي.

وتغير مفاهيم العمل السياسي وأساليبه، ولكن المراقبين فوجئوا هذا العام، وبعد ثورة الاحتجاج على حكمهم في مصر، أنهم استأنفوا أعمالهم الإرهابية بشدة أكبر وتواتر أكثر، وبصرامة لا تخلو من الهمجية، وقصر النظر.

يبدو أن حركة الإخوان المسلمين المصرية لم تستفد من تجربتها وتجارب غيرها، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وسيادة العولمة، وتغير أولويات معايير الدولة الحديثة.

وعدم الاستفادة هذا تأكد خلال السنة التي حكمت فيها الحركة مصر، وأساليب العمل السياسي الرسمي وغير الرسمي التي مارستها، حيث أبعدت حلفاءها من الأحزاب والحركات السياسية المصرية، وأخلّت باتفاقها الذي عقدته معهم قبيل الانتخابات الرئاسية، وتعهدت فيه بأن يكون الحكم جماعياً وتشاركياً وتعددياً، وألا تنفرد بقرارات ذات طبيعة استراتيجية، مقابل أن تعمل هذه الفئات والأحزاب لانتخاب محمد مرسي مرشح الإخوان.

وما إن فاز مرسي بالرئاسة حتى اعتبرت الحركة فوزه تفويضاً مطلقاً لها من الشعب المصري بأن تعمل ما تريد، فاختارت لجنة اقتراح الدستور على هواها، حتى كادت تكون لجنة من طرف واحد، ورأي واحد، كما ركَبت مجلس الشورى والمجالس الأخرى، وكأنها حزب حاكم وحيد، وهمشت الأحزاب الأخرى.

ثم مدت يدها لتعبث بالقضاء المصري، الذي لم يوافقها على ممارساتها غير الدستورية، ثم أخذت بسياسة "أخونة إدارة الدولة"، فعينت أعداداً كبيرة من المحافظين وكبار الموظفين من أنصارها، وحاولت الهيمنة على وسائل إعلام الدولة، وعلى المرافق العامة، وأفصحت عن رغبتها في تقييد حرية المرأة وحقوقها، وباشرت إصدار القوانين حسب رغبتها وفهمها للإسلام، ولا شك في أن هذه الممارسات هي إقصاء للآخر واستئثار بالسلطة.

خلاصة القول، إن الحركة حاولت خطف الدولة ومؤسساتها والسلطتين التشريعية والقضائية، فضلاً عن السلطة التنفيذية.

وكانت دائماً تحتج بأن حكمها محصن بانتخابات ديمقراطية أعطتها تفويضاً، وتناست أو تجاهلت أن الأحزاب والفئات السياسية المصرية هي التي أوصلتها للحكم، وليس أنصارها، ولذلك شعر الشعب المصري بخيبة، ما بعدها خيبة، كما حاولت، من طرف آخر، أن تستفيد من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

وأن تحصل على دعمه المطلق لها، واستثارت همم تنظيمات الإخوان في بلدات العالم، وخاصة حزب العدالة والتنمية التركي، لتحقيق هذا الهدف، وتجاهلت أن قوتها الحقيقية لا تأتي من هذا التنظيم العالمي، وإنما من الشعب المصري ودعمه، ومن الاهتمام بمصر ومجالها الحيوي، ودورها العربي والإقليمي، وأن الأهم هو إعادة القوة والقدرة لمصر وشعبها، وهذا بالتأكيد لن يتأتى بانفرادها بالسلطة.

وقد أسهم قصر نظر حركة الإخوان المصرية، وعدم استفادتها من تجارب المجتمعات الأخرى، واهتمامها بالقضايا السلطوية على حساب الاستراتيجية، في وقوعها في أخطاء كارثية، أدت إلى استياء الشعب المصري، وقيامه بثورة أخرى ضد تسلط الحركة، وهيمنتها على مقدرات الدولة والشعب، منطلقاً من أن حكم مصر لا يكون إلا من خلال وحدة وطنية.

وتعاون جميع الفئات السياسية والاجتماعية، والابتعاد عن الخداع والتدليس وعن التسلط وسرقة النظام السياسي، وابتلاع إدارة الدولة ومؤسساتها، واحترام الرأي الآخر والسلطة القضائية، وعدم التلاعب بقوانينها وصلاحياتها.

ومن يستعرض حكم الإخوان خلال العام، الذي حكموا فيه مصر، يلاحظ أنهم حاولوا تشويه الديمقراطية وأطلقوا العنان لغرائز حب السلطة، والتمسك بها، وفقدان الرؤية الاستراتيجية، وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه مصر ومتطلباتها، وهيمنة التحزب والحزب على سلوك الحركة وقادتها، حتى إن القرارات الرئيسة كانت تتخذ في قيادة الحركة، ثم تمرر لإدارة الدولة لتنفيذها، وكأن الدولة من ممتلكات حركة الإخوان المسلمين المصرية.

من جهة أخرى، ظهر بعد سقوط سلطة الإخوان، بعض الأمور التي كانت خافية، منها أن هذه الحركة بدأت صلات سرية مع بعض التنظيمات "المـتأسلمة" في بعض البلدان العربية الأخرى، وتواطأت معها على دعمها مالياً ومعنوياً، بهدف مساعدتها على الاستيلاء على السلطة في بلدانها مثلما حصل في مصر.

ولم تقدِر الحركة الظروف الموضوعية القائمة في هذه البلدان، التي يستحيل أن تسمح للتنظيمات "المـتأسلمة" بأن تصل للسلطة.

ولو استمرت حركة الإخوان في حكم مصر، لأدت هذه المساعدات، وذاك الدعم إلى تحويل هذه الحركات إلى تنظيمات مغامرة، من شأنها أن تحدث اضطرابات اجتماعية وسياسية في بلدانها، ويبدو أنها كانت تنسق لذلك مع التنظيم العالمي، الذي لم يخف استياءه، بدليل ردود الفعل المتهورة لحزب العدالة والتنمية التركي، ليس فقط تجاه نصرة الإخوان، وإنما أيضاً لموقفه الفج من مصر، وقياداتها، والتدخل في شؤونها الداخلية.

 

Email