إرادتهم وطن وإنجازاتهم عاصمته

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما أحببت فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، أو كما أحب أن أسميهم ذوي القدرات الخاصة، لما يحملونه من أمل ولكل معاني الشجاعة والإصرار التي يتمتعون بها، فهم من يلهموننا بتخطيهم للحواجز برغم النواقص التي يعانون منها.

هم من يسمون بذواتهم عن كثيرين من البشر بقدرتهم على تجاوز العقبات التي توضع في طريقهم لأنهم يملكون روحاً إيجابية ونظرة مشرقة نحو الحياة.

أطلقت على الأفراد من ذوي القدرات الخاصة مسميات كثيرة، بدأت بالمقعدين ثم العاجزين والمعاقين، وإذا سألتهم عن الاسم الذي يفضلونه سيجيبونك أنهم لا يكترثون بالمسميات بقدر ما يهمهم أن يحصلوا على حقوقهم كاملة.

فهم ليسوا عاجزين، ولكن العجز في المجتمعات التي أبت أن تتقبلهم كما هم ولم يكلفوا أنفسهم فرصة التعرف على مواهبهم وإمكاناتهم وقدراتهم التي يمكن تقنينها وتنميتها وتطويرها لتساوي أي شخص طبيعي لا يعاني من نواقص.

لا يخفى على الكثيرين منكم حجم المعاناة لفئة ذوي القدرات الخاصة، فالإعاقة على اختلاف نوعها تحصرهم من قيامهم بوظيفة حياتية أساسية بالوجه الأمثل، أو قد تحدهم عن الاعتماد على أنفسهم وتمنعهم من الاكتفاء الذاتي مما يجعلهم في حاجة مستمرة إلى معونة شخص لإتمام بعض الوظائف الأساسية.

الإعاقات الجسدية تظهر بوضوح في الشلل الحركي أو كف البصر وقد لا تكون واضحة في حال الصمم أو التخلف العقلي. وهناك الإعاقات السلوكية والعاطفية ولكل منها أسبابها ووسائل مختلفة للتعامل معها.

مع اختلاف الإعاقات وتنوع الأسباب يجب أن نتذكر أن خلف كل هذه العقبات، أشخاص لهم كيانهم ولهم أحاسيسهم وعواطفهم ولهم برغم كل ما يعانون إرادة جبارة وطاقات كبيرة يمكننا الاستفادة منها وتوظيفها لتخدم المجتمع.

حظيت بمقابلة مجموعة كبيرة من ذوي القدرات الخاصة الذين أثبتوا كفاءتهم وقدرتهم على القيام بالمسؤوليات المنوطة إليهم بشرط - توفير الاحتياجات الخاصة من بنية تحتية وسبل داعمة وتشجيع مستمر.

الاحتياجات الخاصة التي يتطلع إليها معظم الأفراد من هذه الشريحة ليست في نظرات الشفقة والعطف، فهم يستمدون ذلك من رب العالمين، بل بمعاملتهم كأفراد فاعلين ومنتجين وإدماجهم في المجتمع واحتضانهم بكل حب.

ومن تجربتي الشخصية عندما ساهمت في توظيف بعض الأفراد من ذوي القدرات الخاصة، اختلف محيط العمل وزادت الإنتاجية والكفاءة في الأداء العام، لأن الجميع استلهموا منهم وعملوا بجهد أكبر بعدما شهدوا إخلاصهم في العمل وعطاءهم اللامحدود.

أوصانا الإسلام بالاهتمام بجميع شرائح المجتمع وأخص هذه الشريحة المهمة وإذا تأملنا الآيات التالية لوجدنا معاني إيجابية كثيرة توحي بذلك: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) سورة الفتح (17).

الآيات توصي بالاهتمام ورعاية الأفراد، فمثلاً في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز تم وضع التشريعات التي تنصب في مسؤولية بيت مال المسلمين في الإنفاق عليهم، فتم إحصاء عددهم في الدولة وتمت إعالتهم بناءً على ذلك.

من الأمثلة الرائعة للأشخاص من ذوي القدرات الخاصة: طه حسين عميد الأدب العربي، هو الكاتب والأديب والمفكر المصري القدير الذي أصيب بالعمى في سن الرابعة لم يجعل إعاقته البصرية تحول دون الوصول إلى ما يطمح إليه، فأسس جامعتي عين شمس والإسكندرية وغير ذلك من الإنجازات الكبيرة.

وأيضاً الرحالة البرتغالي فرناند ماجلان الذي نسبت إليه اكتشافات عدة منها كروية الأرض، كان شديد العرج ولكن ذلك لم يمنعه من أن يقوم بالرحلات الاستكشافية التي انتهت بترسيخ اسمه للأبد ولا ننسى الأميركية هيلين كيلر التي كانت مصابة بإعاقة مركبة منذ صغرها، حيث كانت عمياء وصماء ومع ذلك تمكنت من أن تتعلم التواصل ومن بعدها أتقنت لغات عدة لتصبح ناشطة اجتماعية وسياسية وكاتبة مرموقة.

الأسماء كثيرة والقاسم المشترك بين الأسماء التي تترك أثراً كونها تحمل روحاً ذات إرادة بحجم السماء.

قرأت قصة لملك وضع صخرة عملاقة لتعرقل السير في طريق يستخدمه العامة للتنقل في وسط الغابة، وظل الملك مختبئاً وراء الأشجار ليرقب ردود أفعال المارة. مر جمع من أكبر التجار، وانتقد معظمهم إدارة الملك للمملكة وعدم اهتمامه بشؤون الشعب وبرغم كثرة الانتقاد لم يقم أي منهم بإزاحة الصخرة من الطريق بل قاموا بالالتفاف حولها وتابعوا المسير.

مر مزارع فقير رث الملبس يحمل أكياساً من الخضار لغرض بيعها في المدينة، فوضع أكياسه على قارعة الطريق وهم بمحاولة إزاحة الصخرة. بعد محاولات عدة تمكن المزارع من تحريك الصخرة التي تدحرجت نحو أكياس الخضار فسحقتها.

حمل المزارع بقايا محصوله يجر أذيال الخيبة ويفكر في الساعة التي ضاعت في إزاحة الصخرة بلا فائدة، ولكنه حين كان يهم بالرحيل لاحظ كيساً مخملياً مدفوناً في موقع الصخرة. ففتحه ليجد دراهم ذهبية مرفقة برسالة من الملك تقول: "هذه الدراهم يستحقها من يقوم بإزاحة الأذى عن الطريق". الخلاصة التي أراد الملك إيصالها هي أنه وراء كل عقبة، فرصة ذهبية تستحق أن يغتنمها شخص ما.

وهكذا هو الحال مع أحبتنا من ذوي القدرات الخاصة، فهم يحولون العقبات إلى فرص ذهبية ويستغلونها الاستغلال الأمثل ويشقون طريق النجاح ويقلبون كل الصخور ويزيحون كل العثرات عن طريقهم للنجاح، كل ما علينا فعله هو دعمهم وتقبلهم وإدماجهم في المجتمع.

قامت الحكومة الرشيدة بإطلاق مبادرات عدة من مؤسساتها المعنية بالاهتمام بشريحة ذوي القدرات الخاصة تختص في تشخيص حالتهم ووضع البرامج المناسبة التي تلائم قدراتهم والتي من بعد ذلك تمكنهم من التأهل لسوق العمل وإدماجهم في المجتمع.

إن عمليات التدريب والتأهيل النفسي والاجتماعي والمهني تسهم بشكل كبير في عملية استقرار الأفراد نفسياً وعاطفياً وتجعل ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم أكبر، وتعزز دورهم الوطني من خلال مساهمتهم في بنائه.

إن اهتمام قيادتنا بهذه الفئة كبير ورأينا ذلك بوضوح عندما قام مجلس الوزراء باستضافة الطالبة شما خالد التي شاركت في جلسة الخلوة الوزارية بأفكارها ومقترحاتها وعرضت التحديات التي تواجههم.

استضافة مجلس الوزراء للطالبة يعد نداءً بضرورة الاهتمام بهم ورعايتهم.

إن تمكين الأفراد من ذوي القدرات الخاصة مسؤولية وطنية واجتماعية تقع على عواتقنا جميعاً. علينا أن نقوم بتمهيد الطريق لهم، وأن نسعى جاهدين لننبذ كل أشكال الرفض الاجتماعي بتثقيف المجتمع وزيادة وعيهم لنصل إلى بيئة تتمتع بالشمولية الاجتماعية.

 الإعاقة لا تكمن في إعاقة العقل والجسد بل هي في إعاقة الفكر والخلق. المعاق هو مسلوب الإرادة وهم ليسوا كذلك فهم ذللوا كل العقبات فجعلوا من قدراتهم وطناً وجعلوا إنجازاتهم عاصمة لها.

 

Email