العصف الذهني درس في القيادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

"الجميع صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، نريد منهم تزويدنا بالأفكار والاقتراحات لتطوير التعليم والصحة، نريد أكبر جلسة عصف ذهني وطني لمناقشة حلول جديدة".

محمد بن راشد آل مكتوم

 

لا شك أن الكتابة عن المدرسة القيادية والإدارية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أمرُ مغرٍ لي ولغيري من المهتمين والباحثين في الإدارة الحكومية وفي فكر التميز الإداري والتطوير المؤسسي.. ليس لأنها مدرسة غنية بالأفكار والأبعاد والتوجهات، بل لأنها سباقة دائماً في أدائها ومبادراتها وأساليبها ورؤاها، وهذه هي السمة الأبرز التي ينبغي للمحللين والمفكرين الإداريين أن ينكبوا عليها تحليلاً ودراسة، لضمان الاستفادة القصوى منها وتقديمها للإنسانية كإرث إنساني حضاري تطلع عليه وتعرف عنه لتستفيد منه الأجيال عبر السنين.

إنها مدرسة قيادية وإدارية وطنية المنطلقات، عربية التوجهات، عالمية التطلعات، وهي منجم فكر غني بالمبادرات والثروات والممارسات الفكرية، التي تصلح لأن تكون قاعدة ونواة لتميز فردي وتفوق مؤسسي وسعادة شعب ونهضة أمة.

إنها القيادة الملهمة التي تبادر دائماً فتقدم القدوة الحسنة للآخرين، وتوفر لهم الظروف الملائمة والإطار المستقبلي الكفيل بصنع التميز وتحقيق التفوق والنجاح، بعد أن يشعر كل فرد بأنه جزء من هذه المنظومة المتميزة، وأنه مساهم بطريقة أو أخرى في رسم أهدافها وإنجاز رؤاها وتحقيق تطلعاتها.. إن الشعور والفخر والحماس الذي يحس به الإنسان تجاه أي مشروع أو مبادرة، سيساهم بلا شك في إطلاق قدراته البشرية التي لا حدود لإبداعاتها.

لعلكم قرأتم عن قصة عامل النظافة في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي، صاحب رؤية إرسال أول إنسان إلى القمر، هذا العامل البسيط أجاب عن سؤال عن وظيفته، وجهه له أحد الصحفيين الذي أراد اختبار مدى تأثير رؤية الرئيس كيندي على العاملين في الوكالة، بأنه يعمل ويساهم من أجل إيصال أول أمريكي إلى سطح القمر، مؤكداً التزامه وحماسه وفخره بالمشاركة في تحقيق هذه الرؤية.

من الصعب الإحاطة بكل المبادرات الإدارية الغنية والمتلاحقة، التي يقودها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في سطور هذه المقالة، ولكنني أورد بإيجاز بعضاً منها.. فقد بدأت منذ سنوات بعيدة بإطلاق برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز، وتأسيس المكتب التنفيذي، وبعد ذلك المجلس التنفيذي، وإطلاق برنامج الحكومة الإلكترونية، والإعلان عن خطة دبي الاستراتيجية، وبالأمس القريب أطلق صاحب السمو مشروع الحكومة الذكية، وقد رأينا حجم وسرعة التجاوب الحكومي مع ذلك المشروع الرائد، الذي سيعود بالفائدة على كل فرد يعيش على ثرى هذا الوطن الكريم.

وليس بعيداً عن ذلك تناول مفهوم الطاقة الإيجابية، فكانت المرة الأولى التي يتطرق فيها قائد إلى أهمية زرع وتكريس هذا المفهوم في أروقة العمل الحكومي ومفاصله، خاصة وأن تناول سموه لهذا المفهوم لم يقف عند الحدود العامة، بل تغلغل إلى التفاصيل شرحاً وإيضاحاً وفي أكثر من مناسبة.

لقد كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أول من تحدث عن التميز الحكومي، وعن المتسوق السري، وعن المتعاملين أولاً، وعن الحكومة الإلكترونية، والحكومة الذكية، والطاقة الإيجابية، والتخطيط الاستراتيجي.. وغيرها الكثير. فهو يكرس نفسه لكشف الآفاق، ومد الرؤى، وتوفير الإمكانات لبناء مستقبل ناصع لأبناء وطنه، بينما يجهد الكثيرون لملاحقة مبادراته وتحليلها والحديث عنها والاستفادة منها.

أما المبادرة الأخيرة بدعوة الشعب الإماراتي إلى المشاركة في "أكبر عصف ذهني في العالم"، لتطوير قطاعي الصحة والتعليم في الدولة، فتستوجب التوقف عندها كثيراً، والنظر فيها ملياً، ليس لأنها المبادرة الأولى من نوعها عالمياً فحسب، فهذه مسألة ألفناها في مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وإنما لما تحمله بين طياتها من أبعاد ملهمة وجديدة كلياً، لشعوب بأكملها، فهي تحمل في طياتها معاني كثيرة عن القيادة القدوة، والمشاركة الحقيقية، والمسؤولية المشتركة.

ومما يدعو إلى الإعجاب والاحترام حقاً، استخدام سموه لحسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وتكريسه لصالح مبادراته بطريقة سبقت الآخرين بأشواط. فقد حول سموه هذه التقنيات الحديثة لتساهم في صنع أكبر مجلس ديمقراطي عرفه التاريخ، ملغياً أي مسافة مكانية أو معنوية قد تكون بينه وبين أي فرد من أفراد شعبه، لذلك لا أستغرب أن تناهز الأفكار التي استحثتها هذه الدعوة 90 ألفاً قبل أيام من نشر هذه السطور، وقد شارك فيها الصغير قبل الكبير، والموظف العادي قبل المسؤول الكبير.

أليس من المشروع لنا أن نتساءل في الختام؛ هل يمكن لقائد ما أن يشرك شعبه بأكثر من ذلك؟ وهل يمكن لقائد أن يشحذ همم مواطنيه ويحفز إبداعهم على نحو ما فعل محمد بن راشد؟

أترك الإجابة لكم، وللنتائج التي تتكلم عن نفسها.

Email