كان عاماً سورياً مأساوياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يشهد الشعب السوري عاماً أكثر بؤساً، وألماً، وحزناً، من عام 2013، وذلك ليس فقط بسبب تدمير المنازل، والبنية التحتية، والتهجير، والنزوح الداخلي، والخارجي، والتشرد في دول الجوار،وفي جميع دول العالم، وتكبد مئات آلاف القتلى والشهداء والمفقودين، ونصف مليون جريح، لم يشفوا بعد، وتعميم الجوع والعري في هذا العام الجليدي، ليس بسبب هذا فحسب، وإنما أيضاً بسبب الأسلوب، الذي مورس لقتل وتعذيب أبناء الشعب السوري.

فمن غير المفهوم مثلاً، قتل الناس بالسكين، وذبحهم ذبح النعاج، وقطع رؤوسهم، سواء كانوا رجالاً أم نساءً أم أطفالاً، خاصة أن معظم الضحايا هم من المدنيين غير المسلحين، وهذه ظاهرة غريبة على المجتمع السوري، وقيمه وأخلاقه، وعلى قيم المجتمعات الإسلامية عامة، سواء مبدأ القتل المجاني أم أسلوب القتل الوحشي. ولم تكن هذه الظاهرة عابرة ولمرة واحدة، بل شكلت نهجاً مقصوداً وتأديبياً،..

فقد ابتدأت في عام 2011 بمجزرة في ريف حمص الغربي، ثم في "البيضا" في بانياس، وكان آخرها مجزرة النبك، قبل أسبوعين، حيث قتل بالسلاح الأبيض حوالي 205 من السكان الآمنين العزل. ولا يقل وحشية عن هذا قصف المناطق السكنية بالبراميل المتفجرة، التي تلقى عشوائياً على المساكن والسكان، (ألقي 45 برميلاً على أحياء حلب، خلال سبعة أيام فقط، كان ضحيتها 380 شهيداً مدنياً بينهم 100 طفل).

ومن المؤكد أن هذه البراميل لا تقتل "الإرهابيين" فقط، لأنها عمياء تطال الجميع. ولا يقل فظاعة أسلوب قتل الجرحى، ومنع نقلهم إلى المستشفيات، أو إلقاء جثامين الذين يستشهدون تحت التعذيب في العراء، لتأكلها الكلاب (فعلاً لا مجازاً)، وهذا ما شاهده مئات السوريين بأم أعينهم، من دون أن يجرؤوا على الاقتراب لإنقاذهم، بسبب القنص. عندما تدخل القوات العسكرية قرية أو حياً تسرق كل ما فيه..

وتكسّر ما لا تستطيع نقله، أو تتلفه بإطلاق النار عليه، ثم تعمد إلى حرقه. ومن العار إقامة عشرات الأسواق غير النظامية في الهواء الطلق، لبيع المسروقات، تحت سمع السلطات وبصرها، ولا يقل وحشية قيام القناصين بقتل من يمر بالشارع أو بالساحة العامة، ضمن منطقة تواجدهم، ولا يغامر بالمرور عادة إلا مضطر، كمن ينقل مريضاً لأقرب مستشفى، أو يقصد فرناً ليشتري بعض الخبز لأبنائه، أو في سبيله لتأمين حاجة ضرورية لبيته.

من المؤلم والكارثي أن بعض المسلحين ومن جنسيات مختلفة، الذين استنجد بهم النظام، يمارسون أبشع أنواع القتل، وأسوأ أساليبه، وبحقد يصعب وصفه.

يواجه الشعب السوري أيضاً مصائب أخرى غريبة عجيبة، حيث يقوم بعض الفئات المسلحة المتطرفة، تحت شعار تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق التي تحكمها، بتنفيذ عقوبة الإعدام التي تقررها "محاكم"، شكلها قادة هذه الفئات وسموها "محاكم شرعية"، ولا أحد يعرف من أين أتت هذه الشرعية، وما هي مرجعيتها، ولا إمكانات قضاتها العلمية والفقهية، ويعضهم بالكاد، يستطيع القراءة والكتابة، بينما بعضهم الآخر لم يقرأ القرآن الكريم ولا مرة، ولا تستغرق المحاكمة أحياناً سوى بضع دقائق!

وقد تمادت هذه الفئات في تطرفها، فأخذ منتسبوها يجلدون من يمارس التدخين، وأغلقوا الجامعات، لأنها تضم الطلاب والطالبات معاً، وقرروا حدوداً للعقاب، لم تأت بها أو بمثلها الشريعة الإسلامية، وهم بذلك يضعون للمسلمين حدوداً جديدة وشرعاً جديداً، جوهره أن الحرام هو القاعدة في الإسلام، والحلال هو الاستثناء، أي عكس ما جاء به الدين الحنيف. ولعل هذا كله غيض من فيض، مما يواجهه السوريون، وقد حلّ بمجتمعهم كالبلاء الأسود.

كأنه لم يكف السوريين أنهم جوعى عراة لا يجدون رغيف الخبز لأطفالهم، ولا الثوب، الذي يكسي أجسامهم العارية، في بلد مشهور بإنتاج القمح، بل وبتصديره، ثم يجوع سكانه ولا يجدون خبزاً غذاءً لأطفالهم، بل يغشاهم التشرد والمرض، ويتعرضون لمصاعب فقدان الوقود، والغاز..

وانقطاع التيار الكهربائي في هذا الشتاء القارس، و"يتوج" هذا ما يواجهونه من غلاء وخوف وقتل، وإهانة لكراماتهم وتقاليدهم وقيمهم، التي مارسوها خلال مئات السنين، ولا شك في أن هذا ليس مؤسفاً فقط، بل إنه عصي على الفهم أيضاً.

وأخيراَ تشهد سوريا انقطاع مليونين ونصف المليون من الأطفال عن المدارس، ما يوحي بقدوم جيل أمي، لا يقرأ ولا يكتب بعد سنوات، من دون أن يحرك ذلك شعرة في مفرق أحد، بما في ذلك مفرق النظام، الذي لا يشعر بأية مسؤولية تجاه شعبه، رغم تغنيه بإنجازاته (الوهمية)، طوال أربعين عاماً!

وبعد ذلك صار طبيعياً أن تملأ المظاهر العسكرية كل جوانب الحياة اليومية، سواءً بتقاليدها أم بتواجدها المادي الفعلي، أم بهيمنتها على الشوارع والساحات، وكأن سوريا الآن مجتمع إسبارطي، ولد من جديد بعد ألفي عام، أليس هذا عصياً على الفهم؟ لنتمنَّ أن يكون العام السوري القادم أفضل.

 

Email