تفجيرات لبنان الدامية على وقع مؤتمر جنيف 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشير معظم التوقعات السياسية إلى أن مؤتمر جنيف الثاني، سيعقد في موعده المقرر في 22 يناير 2014، في مدينة مونترو السويسرية. وأعلن وزير خارجية لبنان عن المشاركة في مختلف مراحل التحضير، عضواً فاعلاً إلى جانب الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والدول المجاورة لسوريا.

وقدم رؤية لبنان إلى المؤتمر، التي تضمنت ثلاث نقاط أساسية: الأمن المتعلق بتداعيات الحرب في سوريا على لبنان، وتأييد لبنان لحل سياسي للأزمة السورية، ومعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تزايد عدد النازحين السوريين إلى لبنان، بعد أن تجاوز عددهم مليون نازح.

لكن خريطة الطريق إلى جنيف الثاني، تحمل الكثير من المخاطر الأمنية، التي تزايدت مؤخراً بصورة مرعبة، وطالت مختلف المناطق اللبنانية، فسقطت قذائف صاروخية مصدرها الأراضي السورية على جرود بعلبك، وأصاب بعضها مراكز للجيش اللبناني، ونشطت العمليات الانتحارية ضد مراكز الجيش في صيدا، ما استدعى استنفاراً في جميع مراكزه، بعد دخول أعداد كبيرة من المسلحين من سوريا إلى الداخل اللبناني.

شكل الاعتداء على حواجز للجيش اللبناني قرب مدينة صيدا، مؤشراً على بروز ظاهرة خطرة لانتحاريين، فجروا أجسادهم عند حواجز الجيش، فأدت إلى استشهاد وجرح بعض العسكريين، ومقتل الانتحاريين المهاجمين. وبرزت على الفور مواقف تضامنية في صيدا ومناطق لبنانية أخرى، تعلن تمسكها الثابت بالدولة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، وتستنكر استهداف الجيش الوطني، لأنه يهدد السلم الأهلي، ويؤدي إلى تعميم الفوضى على كامل الأراضي اللبنانية، كما أن الاعتداء على الجيش ينذر بضرب الوحدة الوطنية والعيش المشترك، ويدخل لبنان في دائرة الفتن الطائفية والمذهبية المتنقلة، والعمليات الإرهابية على أنواعها.

سياسة الصمت التي ينتهجها بعض القوى السياسية في لبنان تجاه تلك العمليات، التي تستهدف الجيش اللبناني، لم تعد مقبولة بل المطلوب إدانة صارمة للتيارات المتطرفة والتكفيرية،التي تستهدف أمن لبنان، ولم يعد مقبولاً التشكيك في دور الجيش الوطني الجامع والضامن لأمن لبنان وحدة اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم.

يخوض الجيش اللبناني اليوم معركة شرسة، لتوفير الأمن والاستقرار في جميع المناطق اللبنانية، لكي يضمن للبنان الرسمي إيصال مطالبه إلى مؤتمر جنيف الثاني، وفي طليعتها حماية سيادته، واستقلاله، ووحدة أرضه، ومؤسساته الرسمية، وقواه الأمنية. وفي الوقت نفسه، يخوض الجيش معركة توحيد لبنان، والحفاظ على ثرواته الطبيعية، في مواجهة الأطماع الإسرائيلية المعلنة، للسيطرة على نسبة كبيرة من موارد النفط والغاز، المتواجدة داخل لبنان وضمن حدوده البحرية المعترف بها دولياً.

نشير أيضاً إلى أن استهداف الجيش الوطني في هذه المرحلة الحرجة من التحضير لمؤتمر جنيف الثاني لحل الأزمة السورية، تزامن فيه الهجوم الانتحاري مع توقع عدوان إسرائيلي على لبنان في أية لحظة، فتقاطع الهجومين عند نقطة محورية، تؤكد وجود صلة وثيقة بين استهداف الجيش اللبناني من جانب الإرهابيين، والتحضير لعدوان إسرائيلي وشيك، فنشر بيئة حاضنة للفوضى والعنف من صيدا إلى بعلبك والهرمل وبيروت وطرابلس، يثير خوف اللبنانيين من تفجيرات جديدة، تتخذ منحى تصاعدياً من العنف الدموي، على طريق مؤتمر جنيف الثاني، وبالتزامن مع تزايد العنف داخل سوريا، لتحسين شروط المشاركة في المؤتمر الدولي، والتفاوض لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية.

وقد حذر وزير الدفاع اللبناني من دقة خطورة الوضع الأمني في لبنان، بعد سلسلة الاعتداءات الأخيرة على الجيش اللبناني. وهي تشير إلى وجود قرار واضح لدى مجموعات متطرفة، باستهداف الجيش مباشرة، تمهيداً لشل دوره الوطني الجامع، وهو استهداف لموقع لبنان واستقلاله ودوره قبل وبعد مؤتمر جنيف الثاني، وتحرك بعض القوى اللبنانية، لتدافع عن الجيش الوطني، الضامن لأمن لبنان من الخطر المحدق به من جراء مخططات القوى الإرهابية.

ومع استمرار تسلل العناصر المتطرفة من سوريا إلى لبنان، دخلت الساحة اللبنانية مرحلة الخطر الشديد، فاتخذ لبنان الرسمي قراراً حازماً بتكليف الجيش اللبناني مكافحة كل أشكال الإرهاب على الساحة اللبنانية، فلا يجوز للجيش اللبناني أن يتوانى عن القيام بواجبه الوطني في حماية الأمن والاستقرار في لبنان، مهما بلغت التضحيات، وهو يتجاهل الخطب المشبوهة، التي تحاول تشويه مواقفه الوطنية، أو تصوره منحازاً إلى فريق لبناني ضد آخر أو إلى طائفة لبنانية ضد أخرى.

لقد بات القرار الوطني شديد الوضوح؛ فأي اعتداء على الجيش اللبناني هو اعتداء على لبنان الدولة والمجتمع معاً، والنيل من سمعته خط أحمر، لأنه يعني انهيار الدولة المركزية، فقوة الجيش قيمة مضافة إلى قوة الوطن ومنعته ووحدة أراضيه وشعبه ومؤسساته، ولا بد من وقف التحريض، الذي يتعرض له الجيش، لأنه يسيء إلى صورة لبنان عبر مساومات سياسية، تستهدف دور الجيش الوطني.

ولم يعد كافياً التصريح بدعم الجيش وإعطائه الغطاء السياسي للقيام بما يجب عليه القيام به، بل المطلوب من السياسيين اللبنانيين أن يقرنوا الأقوال بالأفعال، وأن يمتنعوا عن التشكيك بعمله وبدوره الوطني الجامع، فالجيش الوطني لا يقيم وزناً لحسابات سياسية أو مذهبية أو طائفية، لأن همه الأساسي هو الحفاظ على لبنان. والمؤسسة العسكرية ليست طرفاً في النزاعات الداخلية، لأنها مؤسسة وطنية جامعة، هدفها الأساسي حماية أمن اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، ومناطقهم، وميولهم السياسية.

ختاماً، الخطر الأمني محدق اليوم بلبنان واللبنانيين، بعد تزايد التفجيرات الهادفة إلى استدراج ردات فعل سياسية وطائفية ومذهبية، في أكثر من منطقة لبنانية. ودلت ظاهرة الاستهداف المتكرر على الجيش اللبناني بوصفه المؤسسة الضامنة لوحدة لبنان وأمن اللبنانيين، على وجود خلايا نائمة لتنظيمات إرهابية، إلى جانب عناصر متطرفة، تنتمي إلى جنسيات مختلفة، دخلت الأراضي اللبنانية مؤخراً، بعد احتدام المعارك في سوريا، وبدأت تصعد من وتيرة اعتداءاتها على الجيش اللبناني، عبر السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية والقصف الصاروخي، وذلك في مرحلة من الانكشاف السياسي الممعن في الاهتراء، بسبب شلل المؤسسات وانتشار كل أنواع الفوضى والعنف.

وذلك يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة لبناء دولة مركزية قوية، والإقلاع عن وضع شروط تعجيزية، تحول دون قيامها، فتفاقم الأوضاع الأمنية يزيد من هشاشة الأوضاع الداخلية، ويسمح بتغلغل عناصر إرهابية، تهدد أمن لبنان، كلما اقترب موعد انعقاد مؤتمر جنيف الثاني، وهناك شكوك كبيرة حول انعقاده أولاً، وحول قدرة المشاركين فيه على حل الأزمة السورية بالطرق السلمية.

Email