الاتفاق الإيراني الغربي وخسائر إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار اتفاق جنيف بين إيران والدول الست الكبرى، جملة من الأسئلة الهامة حول أسباب هذا التطور في الموقف الإيراني، وتداعيات الاتفاق على دول المنطقة وإسرائيل بالدرجة الأولى. والتساؤل الرئيسي هو؛ لماذا أقدمت إيران على إبرام هذا الاتفاق بعد مرور ست سنوات على تعرضها لعقوبات دولية متصاعدة، وتكبدها نحو مئة وسبعين مليار دولار، وهو مجموع ما أنفقته على برنامجها النووي حسب مصادر إسرائيلية؟

العارفون ببواطن السياسات الاستراتيجية الإيرانية وآليات اتخاذ القرار فيها، يستبعدون أن تكون إيران قد تخلت عن طموحاتها النووية، وهي التي كانت تعرف مسبقاً حين اختارت هذا الطريق، أية عقبات ستعترضها.

والأرجح أن إيران تتبع سياسة التراجع خطوة من أجل التقدم خطوتين، إذ إن طبيعة الاتفاق مرحلية، ولا يجرد إيران من حقها في تخصيب اليورانيوم، أو يمس بمنشآتها النووية. والحال أن إيران نجحت في تفكيك المعسكر الدولي الذي يناصبها العداء، ونجحت في تأجيج وتصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، التي أصيبت مخططاتها وتطلعاتها للمنطقة بضربة موجعة تركت القيادة الإسرائيلية في حالة من الهستيريا.

إيران التي انتزعت من إسرائيل والدول الغربية، ذريعة ارتكاب عمل عسكري ضد منشآتها النووية، تكون قد أعطت لنفسها فرصة لإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، وتصعيد نشاطاتها السياسية والدبلوماسية والعملية، في إطار سعيها لأن تكون لاعباً دولياً وليس إقليمياً وحسب، وقد يساعدها ذلك في إيجاد لغة مقبولة للتعامل مع جيرانها.

على الصعيد الإسرائيلي، تواجه قيادة نتانياهو انتقادات شديدة، حتى من قبل بعض حلفائه، فضلاً عن معارضيه، الذين يتهمونه بتوريط إسرائيل في خلاف مع الولايات المتحدة حول هذا الملف، دون أن يحقق لإسرائيل سوى الهزيمة المعنوية والسياسية.

منذ البداية حذرت الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية من التقارب الإيراني - الأميركي، وطالبت الدول الكبرى بالعمل من أجل تفكيك أجهزة الطرد المركزي، وحرمان إيران من حقها في التخصيب، غير أن النتائج جاءت على غير ما تشتهي القيادة الإسرائيلية التي هددت بتوجيه ضربة عسكرية منفردة للمنشآت النووية الإيرانية، لم تعد قادرة على القيام بها بعد أن تم توقيع الاتفاق.

لقد أنفقت إسرائيل نحو 11 مليار شيكل (ثلاثة مليارات دولار)، في إطار الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، كانت ترغب في أن تكون بقرار ومشاركة دولية.

وتتبجح إسرائيل بامتلاكها قدرات عسكرية متفوقة على إيران، وأنها مستعدة لضرب إيران بمفردها ومنعها من تنفيذ طموحاتها النووية لفترة طويلة جداً.

الواقع أن دوافع إسرائيل تتجاوز حدود الخوف على وجودها، وقدرتها على الردع وتفوقها، حيث إن مجريات الملف النووي الإيراني وتداعياته، على صلة وثيقة برؤية إسرائيل واستراتيجيتها ودورها في المنطقة.

يقول المحلل الإسرائيلي البروفيسور أرنون سافير، إن المنطقة أصبحت في صدارة ومركزية الاستراتيجية الإسرائيلية العظمى، وأن إسرائيل تنظر إلى المنطقة العربية على أنها أصبحت منطقة فراغ استراتيجي، ومن حق إسرائيل وحدها وبمقدورها أن تملأه.

ويعتبر أن عدداً كبيراً من الدول العربية تحولت إلى دول فاشلة وفي طريقها إلى الانهيار والتفتت، متوقعاً أن تطال تلك التهديدات والتحديات، دولا أخرى. ويخلص سافير إلى أن إسرائيل ستكون المهيمنة على خطوط النقل البحري؛ البحر الأحمر، باب المندب، مضيق هرمز وقناة السويس، كما ستهيمن على خطوط نقل النفط والغاز، مشيراً إلى أن إسرائيل ستحقق أهدافها الاستراتيجية تلك، بالإبقاء على تفوق القوة العسكرية بشكل كاسح وقادر على ملء هذا الفراغ.

ويدعي سافير أن إسرائيل بادرت إلى نشر قواتها في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي وفي مناطق أخرى كالخليج العربي وبحر العرب، ومنها الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية من طراز دولفين وتحمل صواريخ جوالة تغطي أفغانستان وباكستان وتركمانستان وإيران، بالإضافة إلى البحر الأحمر والخليج.

والحال أن إسرائيل تعيش مرحلة صعبة، حيث تتسع خلافاتها مع حليفتها وضامنتها الولايات المتحدة، لتشمل بالإضافة إلى الموقف من الملف النووي الإيراني، الموقف من مصر، حيث تخشى إسرائيل من تأثير تراجع علاقات الولايات المتحدة ومصر على اتفاقية كامب ديفيد، إضافة إلى الخلاف المعلن حول عملية السلام، التي تتحمل إسرائيل المسؤولية عن إفشالها وتعطيل الجهد الأميركي إزاءها.

وتخشى إسرائيل من أن تشكل سوابق الاتفاق الدولي حول ملفي كيماوي سوريا ونووي إيران، عاملاً مشجعاً لتوجه الدول العظمى نحو التوافق على فرض حل سياسي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في حال فشلت المفاوضات، وهو فشل واقع لا محالة.

ولا تستطيع إسرائيل التهرب من مسؤوليتها الحصرية عن هذا الفشل، إذاك فإن إسرائيل ستعمل على خلط الأوراق في المنطقة وتثير العقبات أمام إمكانية استقرار وتنفيذ اتفاق جنيف بين إيران والستة الكبار، وتقطع الطريق أمام أية احتمالات لتوافق دولي بشأن صراعها مع الفلسطينيين.

Email