سقوط ورقة «الليبور»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 29 مايو 2008 نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية دراسة مثيرة للجدل، تشير إلى أن بعض المصارف العالمية قام بتخفيض متعمد لسعر «الليبور» إبان الأزمة المالية العالمية....

وذلك لتضليل المستثمرين عن حقيقة قوة مركزها المالي، ولم يتم التعامل مع الدراسة بجدية في الأوساط الأكاديمية أو من قبل السلطات المنظمة للقطاع المالي حتى أبريل 2010، حين ظهرت دراسة جديدة من قبل الاقتصاديين (سنايدر ويوول) تؤيد ما نشرته الصحيفة، وتؤكد بالدليل العلمي أن السبب في التلاعب لم يكن إظهار قوة المركز المالي لهذه المصارف كما أشارت الصحيفة، بل من أجل تحقيق أرباح طائلة من التخفيض أو الزيادة.

و«الليبور» بشكل عام هو معدل الفائدة بين المصارف في سوق لندن النقدي، وهو معدل لكلفة الاقتراض بين البنوك البريطانية الكبرى، وهذا السعر يتم تحديده بالرجوع إلى ما يقارب 16 مصرفاً عالمياً، ومنها مصرفا «باركليز» و«دويتشه»، ويتم سؤال هذه المصارف عن معدل الفائدة على الإقراض بعشر عملات عالمية مختلفة وفي مناطق مختلفة، ولآجال مختلفة تبدأ من ليلة واحدة وتمتد إلى سنة، ويتم جمع هذه المعلومات ومن ثم احتساب معدل الفائدة المرجعي، وتتم هذه العملية تحت إشراف رابطة المصارف البريطانية.

وبما أن «الليبور» هو معدل للفائدة مرجعي أو متوقع للاقتراض بين المصارف، فإن المصارف ليست بالضرورة ملزمة بإقراض البنوك الأخرى على أساس سعر الفائدة المعلن. فعلى سبيل المثال قام مصرف «باركليز» في الفترة من 2007 إلى 2009 باقتراح معدلات فائدة منخفضة على خلاف الحقيقة، مما يعني أن المصرف يتوقع أن يقترض من المصارف الأخرى على أساس هذه المعدلات المنخفضة، وبالتالي سيدفع المصرف كلفة منخفضة على القروض التي يقترضها من المصارف الأخرى.

ولكن المصرف في المقابل لم يقم بإقراض المصارف الأخرى على أساس هذه المعدلات المنخفضة، بل قام برفع سعر الفائدة على الإقراض عن المعدل المعلن، بدعوى أن الزيادة هي بسبب عدم رغبة المصرف في أن يقوم بالإقراض عند هذه المعدلات المنخفضة، لوجود احتمال التخلف عن السداد من قبل المصارف الأخرى المقترضة، أي أن مصرف «باركليز» حصل على قروض بفائدة منخفضة، وقام بإقراض المصارف الأخرى بسعر فائدة مرتفع، وبالتالي تمكن من تحقيق أرباح مزدوجة عن طريق الاقتراض والإقراض.

و«الليبور» هو آلية تحديد معدل الفائدة على مستوى العالم لعدد غير محدود من العقود والمشتقات المالية. وعلى سبيل المثال فإن 10 تريليونات دولار سنوياً من القروض الشخصية على مستوى العالم تحتسب فائدتها «بالليبور»، وهذه القروض قد تكون قروض الكريدت كارد وقروض السيارات وقروض تمويل شراء المنازل..

وكذلك فإن 350 تريليون دولار سنوياً من العقود المالية مثل المقايضات والخيارات والمستقبليات، تحدد معدل الفائدة عليها عن طريق «الليبور». لذا فإن ارتفاع الليبور سيؤدي إلى ارتفاع معدل الفائدة الشهرية المدفوعة من قبل المقترضين على مستوى العالم، سواء أفراداً أو مستثمرين، ما يعني أننا جميعاً، بطريق مباشر أو غير مباشر، قد دفعنا فوائد أو أرباحاً مرتفعة وغير مبررة للمصارف!

وفي الثامن من نوفمبر الحالي أصدرت محكمة استئناف لندن قراراً مهماً في قضيتين متداولتين قد تكون لهما تبعات مهمة على المصارف الكبرى، وقد تمهد لسيل جارف من القضايا ضد المصارف الكبرى قد تؤدي إلى امتناع الكثيرين من المقترضين عن دفع الفوائد المصرفية أو البنكية المستحقة عليهم لبعض المصارف.

أما القضية الأولى فهي المرفوعة ضد مصرف «باركليز» من قبل شركة «غارديان كيرهوم»، والتي تطالب فيها الشركة المصرف بدفع تعويض مالي بقيمة 70 مليون جنيه إسترليني، وذلك لتلاعب المصرف بسعر «الليبور» مما نتج عنه دفع الشركة لفوائد ضخمة وغير مستحقة على قرض تم أخذه من المصرف، وعلى نفس الأساس القانوني قامت شركة «إنديان يونايتد» برفع دعوى متقابلة ضد مصرف «دويتشه».

وفي حيثيات القرار الصادر من المحكمة، أشار القاضي في محكمة استئناف لندن «أندرو لونغمير»، إلى أن «المصرفين (باركليز ودويتشه) قد شاركا مع مصارف أخرى في تحديد معدل «الليبور»، وقد قام المصرفان كذلك باقتراح استخدام «الليبور» لحساب الفائدة على القرضين الممنوحين لكل من شركة «غارديان كيرهوم» وشركة «إنديان يونايتد»، مما ينشئ التزاماً على المصرف بأن يتحلى بالنزاهة والصدق والشفافية في تقدير معدل الفائدة..

وأن الشركتين لو كانتا تعلمان بسوء نية المصرفين لما أقدمتا على التعاقد أو الاقتراض منهما». أي أن المحكمة تكون بهذا الحكم قد أجازت وأفسحت المجال للأفراد والشركات والمصارف لرفع دعاوى قضائية، لمطالبة المصارف الكبرى الـ16 برد الفوائد غير المستحقة على القروض الممنوحة منها.

ورغم التحديات التي يواجهها القطاع المالي، ومن ضمنها الغرامات الخيالية المفروضة على المصارف، وكان آخرها الغرامة القياسية التي تم فرضها على مصرف جي بي مورغان من قبل السلطات الأميركية والتي تقدر بنحو 13 مليار دولار أميركي..

والكم الهائل من الدعاوى القضائية المدنية والجزائية المرفوعة، فإن الحلول التنظيمية والتشريعية ما زالت بعيدة عن الواقعية، ما يجعل قطاع الخدمات المالية الإسلامية مجبراً على استقصاء البدائل وإيجاد مؤشرات معيارية ترجع إليها صناعة الخدمات المالية الإسلامية، بدلاً من استخدام معدلات «الليبور» أو نظائرها صراحة أو ضمناً.

 

Email