استطلاعات الرأي العام والأنظمة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما هي أهمية وقيمة استطلاعات الرأي العام في العالم العربي؟ وما هي مكانتها في أجندة وبرنامج عمل صانع القرار؟ هل من علاقة بين الرأي العام والأنظمة العربية؟ وهل هذه الأخيرة يهمها الرأي العام ورأي الشارع واتجاهاته؟ ولماذا نجد ندرة في استطلاعات الرأي العام في العالم العربي؟ وما هو واقع مراكز استطلاعات الرأي العام في العالم العربي، إن وُجدت أصلًا؟

هناك من يرى أن الرأي العام في العالم العربي غير موجود ومهّمش ولا يؤخذ به ولا دور له ولا فاعلية، فهل يحق لنا الكلام عن الديمقراطية دون الكلام عن الرأي العام؟ وهل من ديمقراطية دون رأي عام؟ فالنظام السياسي الذي يستمد سلطته وشرعيته وقوته من الشعب، يجب أن يعود إلى هذا الشعب في اتخاذ القرارات وصناعة السياسات المختلفة، التي توضع أساساً من أجل هذا الشعب ولهذا الشعب.

الإشكالية الرئيسة في التعامل مع الرأي العام واستطلاعات الرأي في العالم العربي، تكمن أساسا في أن بعض صناع القرار ما زال لا يؤمن بسلطة الرأي العام وأهميته..

ولا بأهمية رأي الشعب ووجهة نظره وموقفه من قضايا الأمة والمجتمع ومسائل مصيرية تهمه. فهؤلاء لا تهمهم مراكز استطلاع الرأي العام ولا تهمهم نتائج هذه الاستطلاعات، فهم الذين يعرفون كل شيء ولا يحتاجون إلى دراسات وأبحاث واستطلاعات الرأي العام لمعرفة ماذا يجري في الشارع وماذا يحدث في الواقع. والبعض منهم يرى أن الشعب غير مؤهل لإبداء رأيه في أمور لا يفقه فيها شيئا وليست من اختصاصه.

يمكن تفسير هذا الوضع غير الصحي لاستطلاعات الرأي العام ودراسته وللعلاقة غير السليمة بين السلطة والرأي العام في العالم العربي، بالنظر إلى عدة اعتبارات من أهمها: أن السلطة في العالم العربي تخاف من الرأي العام، ونظراً لاتخاذ معظم القرارات بعيداً عن الشفافية والديمقراطية،..

فإن الأنظمة العربية لا تريد معرفة رأي الشعب وموقف الشعب وكيف يفكر في معظم هذه القضايا. ويُنظر إلى نتائج استطلاعات الرأي العام على أنها غير موضوعية، وأنها مسيّسة وتُوّجهها الجهة التي تمّول الدراسة وفق مصالحها وأهوائها، فهي إذاً حسب السلطة غير علمية وغير موضوعية وغير حيادية.

وفي بعض الحالات نلاحظ تدخل جهات وأطراف خارجية لتمويل الدراسات والاستطلاعات، للحصول على نتائج تُفصّلها حسب أهدافها ونواياها وما تريد تحقيقه والوصول إليه. وتمويل هذه الأطراف لمراكز استطلاعات الرأي العام، يُفقد هذه المراكز مصداقيتها وموضوعيتها.

من جهة أخرى، نلاحظ أن غياب ثقافة البحث العلمي وثقافة المعلومة والإحصائيات والدراسات، وسيادة ثقافة الشك والخوف من الاستبيانات والاستطلاعات، تؤثر سلبا في القيام باستطلاعات الرأي العام والاعتماد على نتائجها في صناعة القرار ووضع السياسات المختلفة. وهنا نلاحظ ارتباط ثقافة استطلاعات الرأي العام بالديمقراطية وبحرية التعبير وحرية الصحافة، والمشاركة السياسية وثقافة القوى المضادة وثقافة المجتمع المدني، والفصل بين السلطات ومراقبتها، وخاصة السلطة التنفيذية، إضافة إلى حرية الفرد بصفة عامة.

بيئة الحرية والديمقراطية هي البيئة الطبيعية لثقافة الرأي العام والعمل به، حيث إنها تعتبر من مستلزمات الرأي العام ومن شروط قوته ونفوذه في المجتمع. وهذه البيئة، مع الأسف الشديد، غائبة ومغيّبة في معظم الأنظمة العربية، ولذلك نلاحظ أن قوة من المفروض أن تكون استراتيجية وفاعلة في المجتمع، مغيبة في معظم القضايا المصيرية للمجتمع. فمراكز استطلاعات الرأي العام لو التزمت المهنية والحرفية والعلمية والموضوعية والشفافية وابتعدت عن التسيّيس والحسابات الضيّقة، تكون إضافة كبيرة للأنظمة العربية لإدارة شؤونها وشعوبها ولحل مشكلاتها وللتواصل مع شعوبها..

فهي بارومتر الديمقراطية في المجتمع، وهي قياس حالة الشعب وتفكيره ورؤاه ووجهات نظره، وتقييمه لأحوال المجتمع والأمة وللقرارات والسياسات التي تُتخذ من أجله. كما تعتبر استطلاعات الرأي العام بمثابة حوار صريح ومباشر بين السلطة والشعب، وهذا في مصلحة الطرفين وفي مصلحة المجتمع ككل.

تعتبر نتائج استطلاعات الرأي العام قاعدة معلوماتية مهمة جداً للسلطة، حتى تستعملها كبوصلة في اتخاذ قراراتها ووضع سياساتها في مختلف مجالات الحياة كالسياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة والتعليم... إلخ. فاستطلاعات الرأي العام هي نوع من التفاعل بين السلطة والقوى الفاعلة في المجتمع،..

وهي عبارة عن حلقة وصل بين الشعب والمجتمع، وتمثل تقييماً مباشراً لرضى أو عدم رضى الجمهور عن أداء السلطة لمهامها وإدارتها للشؤون العامة. فمناقشة القضايا المصيرية من قبل المجتمع المدني ومن قبل وسائل الإعلام والقوى الفاعلة في المجتمع، عادة ما يوّلد الأفكار ويلقي الضوء على تفاصيل الأمور في المجتمع، ويعطي الفرصة لإرساء قواعد الديمقراطية وقواعد صحافة المجتمع التي تعنى بهموم ومشكلات وقضايا الشعب.

ويعتبر الرأي العام ركناً من أركان الديمقراطية، وتهميشه وتغييبه في المجتمع يعتبر تهميشاً وتغييباً للديمقراطية، فكيف تدعي السلطة أنها ديمقراطية وتؤمن بمبدأ أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، وفي ذات الوقت لا تبالي حتى بالتعرف على رأي الشعب في قضايا الأمة؟

 

Email