لماذا فشلت «تمرد» الفلسطينية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يكفي أن تشعر بالظلم أو الغضب حتى تنجح في تغيير ما ترفضه تماماً، كما أن تقليد الآخرين لا يجعلك بالضرورة مثلهم، فالتغيير أو التقليد ينبغي أن يستند إلى مقومات وشروط.

عندما انطلقت "حركة التمرد" في مصر، ونجحت مع الآخرين في إطلاق ثورة شعبية عارمة أدت إلى إنهاء حكم الإخوان المسلمين في مصر، كانت الظروف المحيطة الموضوعية والذاتية ناضجة تماماً لتحقيق الهدف، بعد عام كامل كثف خلاله الإخوان من الأقوال والأفعال التي أدت إلى انقلاب أغلبية الشعب المصري ضدهم.

خروج أكثر من ثلاثين مليون مصري إلى الشوارع يوم 30 يونيو هذا العام مطالبين بإسقاط حكم مرسي، جاء بعد حراك نشط ومتواصل، حصلت خلاله "حركة تمرد" بالتعاون مع القوى المناهضة لحكم الإخوان، على توقيع 22 مليون مصري، بما يفوق بـ150% عدد الذين انتخبوا مرسي. ورغم ذلك ربما كانت الصورة ستختلف، لو لم يأخذ الجيش زمام المبادرة فيستجيب لنداء ورغبة الجماهير الغفيرة التي خرجت إلى الشوارع.

الهدف كان واضحاً ومحدداً، والأدوات العاملة على الأرض كانت قوية ونشطة ومؤمنة بما تقوم به، وعناصر التدخل الحاسم متوفرة، والأسباب والدوافع كانت حاضرة، ولذلك نجحت الثورة الشعبية في مصر.

العدوى انتقلت سريعاً إلى تونس والمغرب، لكن "تمرد" التونسية والمغربية، لم تكن كافية لأن تحقق النجاح الذي حققته تمرد المصرية، وكذلك الحال بالنسبة "لحركة تمرد" الفلسطينية، التي أطلقت نشاطها في شهر يوليو الماضي، عبر بيان تلاه ثلاثة شبان مقنعين على وسائل الاتصال الجماهيري.

كثيرون ممن أخذتهم نشوة نجاح تمرد المصرية، راهنوا على نجاح "تمرد" الفلسطينية في تحريك الشارع الغزي كله، للإطاحة بسلطة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ أكثر من ست سنوات، لكن هؤلاء لم يقرأوا جيداً الظروف والشروط الخاصة بالحالة الفلسطينية، والتي لا تسمح بأن تنجح "تمرد الفلسطينية" بما نجحت به مثيلتها المصرية. ولكن لماذا لم تنجح "تمرد الفلسطينية" في أن تجعل يوم الحادي عشر من نوفمبر الجاري يوماً مختلفاً، وهو اليوم الذي دعت فيه الجماهير الغزية للخروج إلى الشارع؟

أولاً: يواجه الفلسطينيون احتلالاً بغيضاً، لا يتوقف عن ممارسة العدوان على الشعب، والأرض، والحقوق الفلسطينية، وتشكل مجابهته الأولوية المطلقة بالنسبة لكل الفلسطينيين على اختلاف أطيافهم وعمق خلافاتهم، الأمر الذي يطرح علامات استفهام، ويخلق القلق والارتباك إزاء الهدف الذي تطرحه "حركة التمرد".

ثانياً: الهدف الذي طرحته "تمرد" الفلسطينية هو إسقاط حكم حركة حماس، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، ووضع حد لما تسميه "تمرد" بالظلم الشديد والقمع الذي تمارسه حماس على سكان القطاع. حصر الهدف على هذا النحو لا يقنع الكثيرين بصوابية الاستجابة، فالانقسام له طرفان، والمظالم، وإن بتفاوت نسبي، موجودة في غزة والضفة، فلماذا التركيز على غزة وتجاهل الضفة؟ ثالثاً: يغيب عن "تمرد الفلسطينية" الغطاء السياسي.

حيث إنها لم تلق الدعم من أي فصيل وطني، بما في ذلك حركة فتح، التي تنصلت من أي التزام أو مسؤولية تجاه "تمرد" وأهدافها ونشاطاتها. ما يطرح سؤال البديل، في حال نجحت "تمرد" في تحريك الشارع الغزي، بالقدر الذي يؤثر على سلطة حماس، خصوصاً وأن حركة حماس تكاد تحتكر كل عناصر القوة، من الشرطة إلى الأجهزة الأمنية والمدنية، والقوى المسلحة.

رابعاً: رغم تفاقم الأزمات الحياتية لسكان القطاع، بسبب الحصار المشدد والانقسام البغيض، إلا أن حماس تملك خطاباً قوياً ومحرجاً بالنسبة لمعظم الفصائل، إذ تشدد على التزامها برنامج ونهج المقاومة، في ظل تمسك السلطة بنهج المفاوضة الذي يتأكد فشله كل صباح.

خامساً: استعداد حركة حماس، وحكومتها في غزة، للدفاع عن وجودها وتجربتها، حتى لو اضطرها ذلك لاستخدام العنف والقوة في مواجهة خصومها، حيث إن الأجهزة الأمنية والشرطية الحمساوية، استخدمت القوة في مواجهة نشاطات سلمية عادية لا تنطوي على خطورة.

الحكومة في غزة، استبقت يوم 11 نوفمبر، الموعد الذي حددته حركة تمرد لتحريك الشارع الغزي، بحملة واسعة من الاستدعاءات لمئات الشباب الذين يشتبه في دعمهم لحركة تمرد، مترافقة مع حملة واسعة ومكثفة من التهديد والوعيد لكل من تسول له نفسه الاستجابة لنداء "تمرد".

غير أن حماس وحكومتها، التي أخذت على محمل الجد ما تدعو إليه "حركة تمرد"، استثمرت هذه الظاهرة المحدودة بنشر شرطتها وأجهزتها، ومنعت أي نشاط يتصل بإحياء الذكرى التاسعة لرحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي يصادف ذلك اليوم، ثم أتبعتها باستعراضات عسكرية كبيرة بعد يومين من ذلك التاريخ، بمناسبة الذكرى الأولى للحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع تحت اسم "عمود السحاب"، لإظهار سيطرتها على الوضع.

تدرك حركة حماس وحكومتها، أن عدم استجابة الناس لنداء تمرد لا يعني أن سكان قطاع غزة راضون عن أدائها، أو عن استمرار الانقسام الفلسطيني، الذي لا يبدو أن ثمة أفقاً لإنهائه قريباً، فلقد اتسعت دائرة الغضب الشعبي جراء الحصار المشدد، واتساع دائرة الفقر، والبطالة، وغلاء الأسعار، والانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي، ومحدودية الحركة من خلال معبر رفح، الذي لا يفتح إلا لأوقات محدودة وأعداد محدودة. إذا كانت هذه هي الأسباب التي تقف وراء فشل "تمرد الفلسطينية"، فإنها ذاتها الأسباب التي تدعو للاعتقاد أنه لا سبيل لتجاوز الانقسام ومعالجة الآثار الخطيرة الناجمة عنه، سوى بالحوار والاتفاق والمصالحة.. وتلك قضية برسم المجهول.

Email