سلوك المستهلك بعد الأزمة (1)

ت + ت - الحجم الطبيعي

عانى الاقتصاد العالمي ولايزال من آثار الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في عام 2008، ولا شك في أن المستهلكين في مختلف أنحاء الأرض قد تأثروا بهذه الأزمة خصوصاً أن الحكومات لم تستطع في الواقع مساعدتهم. أثرت نتائج الأزمة سلبياً على المستهلكين الذين استخلصوا درساً مهماً يتلخص في عدم وجود أمان وظيفي يساعد على تجنّب أعباء الالتزامات المالية. لقد عاش المستهلكون في مختلف أنحاء العالم فترة ائتمان ذهبية كانوا خلالها لا يترددون في طلب الحصول على أي قرض سواء من البنوك أو من شركات الائتمان الاستهلاكي أو شركات الرهن العقاري وغيرها.

إلا أن المستهلكين تعلموا منذ بداية هذه الأزمة عام 2008 درساً مكلفاً للغاية، كان في بعض الأحيان مأساوياً، ذلك أنّ عروض الائتمان الكثيرة لم تثر فضول المستهلكين لقراءة الفقرات المطبوعة بحروف صغيرة في الجزء السفلي من العقود.

كيف أثّر ذلك على سلوك المستهلكين؟ تأكد المستهلكون في المقام الأول وبشكل لا لبس فيه أن لا شيء في هذه الدنيا مضمون ما عدا الموت والضرائب، كما اكتشفوا بالإضافة إلى هذين العاملين الحتميين حقيقة استحالة شَغل وظيفة مدى الحياة، وقد كانت هذه الحقيقة هي الدرس الأصعب. فإذا افترضت، خطأً، أن عقد عملك مضمونٌ طوال حياتك فإن ذلك لا يعني أنه يمكنك أن تبدأ بالاقتراض من دون أي حذر أو تأنٍّ.

من أهم النتائج الملموسة في مرحلة ما بعد الأزمة المالية هي أن جيل الشباب بدأ الآن بالتفكير ملياّ قبل التوقيع على عقد قرض عقاري لشراء منزل، كما بدأ هذا الجيل بالتوجه نحو الاستئجار بدلا من الشراء وهو ما يريحهم من الالتزامات المالية طويلة الأجل. لقد بدأ الناس الذين تأثروا فعلاً بنتائج الأزمة المالية في التفكير بانعدام الأمان قبل اتخاذ قرار بأي التزام مالي.

لكن الطبيعة البشرية للأسف تدفع الناس إلى الانتقال من النقيض إلى النقيض عندما يتعرضون لأي مأساة سواء كانت مالية أو إنسانية. إن شراء منزل هو بالتأكيد التزام ضخم، ولذلك فإن ردة فعل المستهلكين تجاه القطاع العقاري مفهومة، ولكن ما لا يمكن فهمه هو وصول ردة فعلهم هذه إلى سلسلة السلع، وهو تصرف قد يكون متطرفاً إلى حد ما.

Email