سكر زيادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

"دمك عسل"، "شهر عسل"، وغيرها من المقولات والأشعار في ربط الألفة والمحبة بالسكر والعسل، لكن في الرابع عشر من نوفمبر يتحول السكر إلى مجرم مشهور، وتحيي دول العالم اليوم المذكور بمسيرات وفعاليات مختلفة للتوعية بمخاطر السكري والدمار الذي يلحقه بالجسم عندما تزيد نسبته في الدم.

السكري ومن دون سابق إنذار دخل بيوتنا وبمباركتنا له حجز أفضل الغرف وأحلى الأطعمة وأوثر الكراسي فلماذا التذكير به؟ أليس من الصفات الحميدة إكرام الضيف وعدم الذم به؟

لقد وصل بنا الكرم لدرجة إعطاء الغالي والنفيس لهذا الضيف. فالبعض تبرع بكليته لكي تكون مقر الضيف والآخر بعينيه واثر أن لا يرى في سبيل مرضاة الرفيق اليومي، أما البعض فقد وصل به حد السخاء بالتضحية بقلبه للسكري.

تصل جزيئات السكر النشيطة لخلايا الجسم لكن تجد أبواب الخلايا مقفلة فلا تستطيع الدخول. إذن أين المفتاح وعند من؟ هرمون الأنسولين هو المفتاح السحري. ينطلق الأنسولين بسرعة ويفتح أبواب الخلايا المقفلة فيدخل السكر بعد طول انتظار وتبدأ خلايا الجسم في العمل.

وهنا تبدأ الحكاية. عندما تزيد نسبة السكر بشكل كبير في الدم نتيجة تناول كميات هائلة من الرز (العيش) والخبز والباستا وغيرها من النشويات، يقوم مفتاح الأنسولين بتحويل فائض السكر من الدم إلى المخازن في الكبد والعضلات. إلى هنا والأمور طيبة لكن ماذا يفعل الجسم إذا بقيت جزيئات سكر إضافية بعد امتلاء المخازن المذكورة؟

يقول نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه". لكن واقع الحال غير ذلك. فجميع الأثلاث للطعام والنتيجة فيضانات سكرية هنا ودمار كوليسترولي هناك!!

بعد امتلاء مخازن الكبد والعضلات يقوم الأنسولين بتحويل السكر وتخزينه على شكل دهون. فيزيد الوزن وتبدأ السمنة وينتهي المطاف بحدوث السكري.

في النوع الأول من السكري، تتوقف غدة البنكرياس عن إنتاج الأنسولين (مفتاح الخلايا) لسبب غير معروف ومعظم النظريات الحالية ترجح حدوث هجوم فيروسي على الغدة ولأسباب غير معروفة، وعادة يصيب هذا النوع من السكري الأطفال والمراهقين ولا يستثني الكبار في بعض الحالات. لهذا السبب تعطى إبر الأنسولين مدى الحياة للمصابين بالنوع الأول.

في النوع الثاني من السكري (وهو المنتشر بكثرة عندنا) هناك آليتان رئيسيتان لحدوث المرض. في الآلية الأولى تفرز غدة البنكرياس كميات قليلة من مفتاح الأنسولين، وبالتالي تدخل مجموعات قليلة من السكر لخلايا الجسم. وأيضاً سبب قلة الإفراز غير معروف.

أما في الآلية الثانية (وهي بيت القصيد) لا تفتح الخلايا أبوابها لجزيئات السكر بالرغم من وجود عدد كاف من مفاتيح الأنسولين. لكن لماذا تمتنع الخلايا؟ معظم الدراسات أجمعت وجود علاقة بين زيادة الوزن ورفض الخلايا فتح الأبواب للسكر. فتبقى الجزيئات وحيدة وتبحث عن ملجأ لإيوائها. فتتسابق الأعضاء لذلك وبالأخص الكلية والعين والقلب وأطراف الأيدي والأرجل. وتبدأ رحلة معاناة المريض.

صدقوني لا أريد أن أظلم السكري نتيجة لأفعالنا وقراراتنا اليومية وغياب إرادة التغيير، لكن واقع الحال أقوى مني، سامحيني يا جزيئة السكر إن قسوت عليك فلا ذنب لك غير وجودك في زمان العولمة والشهرة وهذه هي ضريبة الشهرة. "يا معلم.. واحد شاي سكر زيادة!!"

 

Email