أصداء كلمات كافكا

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يقف السائح على جسر كارل الشهير في مدينة براغ عاصمة جمهورية التشيك بإمكانه رؤية متحف كافكا للأديب التشيكي الألماني فرانس كافكا، الواقع على ضفاف نهر كلاين براغ، يدرك أهمية الأدب على ثقافة الآخرين والمكانة التي يحتلها الكتاب والأدباء في قلوب الآخرين على مر الزمان.

تعرف الثقافة أحياناً بأنها الصفات العاطفية والروحية والفكرية التي تميز فئة اجتماعية، أو هي سبل السلوك والتصرف والتعبير والفكر ومجموع القيم والمعارف والالتزامات الأخلاقية، كما تعرف الثقافة أحياناً بأنها التذوق الجيد بالعلوم الإنسانية والفنون الجميلة، والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني، أو نمط متكامل من الاعتقاد والسلوك ومجموعة من الاتجاهات والأهداف والقيم والممارسات لمجموعة ما، وبالثقافة يرى الإنسان القيم بصورة أوضح ويمارس أسلوب الاختيار والمقارنة بشكل أدق، ويعبر عن صميم ذاته.

الثقافة هي الركيزة الأساسية لجميع شرايين الحياة النابضة، فهي البنية التحتية لكل المجالات كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والصحة والرياضة، فهي تساهم في الرقي الحضاري للأمم، وتغذي الشعوب بالمفاهيم الحقيقية للعدالة والإنسانية، وتصبغ الحقوق والواجبات بألوانها الحقيقية، وتجعل مفهوم الروابط أكثر ثباتاً، وتدفع الشعوب بمستقبل أكثر تناغماً وانسجاماً، وترسخ قواعد ثابتة للأمن والاستقرار.

وتعتبر الكتابة إحدى دعائم الثقافة، وتتنوع دوافع ووسائل الكتابة منها الترفيهية أو الفكاهية، العلوم المعرفية بشتى أنواعها العلمي والتقني والتاريخي، السرد القصصي، النقد والتحليل، المواضيع السياسية، المقالات الإقليمية والمحلية، وقد تجمع الكتابة دوافع وأهدافاً مشتركة عدة، وعندما تضيف الكتابة فكرة مبتكرة وتزود مفهوماً جديداً يساهم في التطوير الذاتي والحضاري للإنسان تندرج إلى الكتابة الأدبية، ومن عناصر ومقومات الكتابة الأدبية اللغة ومفرداتها، عمق الفكرة والابتكار، تميز الأسلوب.

غالباً تتفاعل الكتابة الأدبية مع هموم المجتمع، حيث يلعب الأديب دوراً بارزاً في ثقافة الشعوب، يحاول التربص والبحث عن الأمراض الاجتماعية المجذرة في مجريات الحياة، قالعاً المفاهيم السامة والتي تشل مسيرة الأفراد نحو الانطلاق، مستأصلاً الأفكار المسرطنة في عقول الملايين، ليزيل الغبار عن الكنوز الفكرية المدفونة، ويزيح الستار عن عوالم جديدة أكثر بهجة وأوضح رؤية وأعمق حكمة، وتظهر أهمية المادة الأدبية كلما اتسعت روافدها شرائح المجتمع على مدار العالم وبقي أثيرها على مر العصور، وتميزت بأفكارها الإبداعية والتي تشحن جذور الشخص وتنقله من طور إلى طور جديد أكثر عمقاً وحدة في نظرته للأمور، ليرفع المستوى الحضاري والفكري للأفراد، ويجعل الشعوب أكثر رقياً وازدهاراً.

تلعب المراكز الثقافية والمدارس والمكتبات والوسائل الإعلامية المرئية واللامرئية والشبكات الإلكترونية دوراً أساسياً لنقل المخزون الثقافي والأدبي للأفراد، ومن الضروري وجود بحوث ودراسات وخطط لدفع أفراد المجتمع للاتجاه إلى المصادر الثقافية السليمة كوسيلة للتغذية الروحية والفكرية وإمكانية استغلال حيز مناسب من الوقت للجوانب الثقافية النافعة في زمن تزدحم فيه الماديات والإلكترونيات وعوالم الترفيه وتعج بالمناسبات الاجتماعية المتعددة والمغريات المادية والترفيهية، وتعتبر الثقافة من المصادر الأساسية والمحورية في بناء وثقل شخصية الفرد، والأجدر الاهتمام بالجانب الثقافي كركن أساسي للتنشئة السليمة، فهو الجانب الذي يغذي العقل ويطري الروح ويجعله يرنو للكمال.

ما زال متحف كافكا الواقع على ضفاف نهر كلاين في براغ بارجا متألقاً بمحاذاة المباني المتدلية على أطرافه، وما زالت أصداء كلمات كافكا رنانة على أوتار الأفئدة، هناك العديد من التماثيل والمتاحف تم تشييدها تمجيداً للكتاب والأدباء، كتمثال طه حسين بمدينة المنيا بمصر، متحف الأديب غوته في فرنكفورت بألمانيا، بيت شكسبير في ستاندفورد في بريطانيا.

يعتبر الأدباء المبدعون رمزاً من رموز المجد بما قدموه من صحوة فكرية واسعة وإرث أدبي ثري، ومساهماتهم الأدبية ستزال حية تستنجد العقول التائهة من مزدلق الجهل والبؤس على مر العصور.

Email