الشهر الوردي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لون فرض نفسه بقوة. أصبح لغة عالمية لا تحتاج لمترجم. ينفر منه الرجل بينما ينجذب له الجنس الناعم. به يعرف جنس المولود قبل رؤيته لكن لم يخطر على بال أحد دخول هذا اللون أبواب الشهرة عن طريق المرض والمعاناة.

في خريف عام 1991 قررت مؤسسة "سوزان كومن" توزيع شرائط وردية على المشاركين في سباق بمدينة نيويورك للناجين من الإصابة بسرطان الثدي. وبحلول عام 1992 اعتمد الشريط الوردي كرمز رسمي لشهر أكتوبر، الشهر العالمي للتوعية حول سرطان الثدي. منذ ذلك الحين استطاع الشريط الوردي كسر العديد من الحواجز النفسية تجاه المرض في أنحاء العالم المختلفة.

 به استطاعت المرأة الخروج من قوقعة الخوف والفزع والتخلص من عقدة البدون اسم. ومن أجله انطلقت القافلات وحملات التوعية في أرجاء الدولة لتمكين المرأة من أخذ زمام المبادرة والفحص المبكر عن مسببات المرض وعوامل الخطورة المختلفة.

يتميز الثدي بمجموعة خلايا خاصة لها مهمة يستحيل من دونها ديمومة الحياة ألا وهي إفراز الحليب. في كل شهر تستعد خلايا الثدي لحدوث الحمل وتتكاثر في العدد، لكن مع بدء الدورة الشهرية تتوقف عن التكاثر وتتراجع. هذا النشاط الشهري للخلايا يؤدي عند بعض النساء إلى حدوث خلل تقني يصعب إصلاحه. النتيجة تكون خلية غير سليمة تبدأ بهجوم بسيط وفي خلال سنوات قليلة تتكون مجموعة كبيرة من هذه الخلايا المتوحشة والتي لا تدع زاوية في الثدي إلا وهاجمته.

بحوث كثيرة قامت بها المراكز العلمية على مر السنين لمعرفة سبب حدوث الخلل التقني. توصلت مجموعة منها إلى أن بعض النساء تكون لهم قابلية وراثية لسرطان الثدي نتيجة وجود جينات الـ BRCA المعطوبة عندهم والتي ورثوها من الأب أو الأم.

أما مجموعة أخرى من الدراسات فاكتشفت وجود عوامل خطورة حياتية تزيد من نسبة الإصابة عند النساء حتى لو كانت لديهم جينات سليمة. وهنا مربط الفرس. عوامل الخطورة التي سأذكرها بعد قليل معظمها إن لم نقل جميعها موجودة عند النساء في الدولة.

التدخين. لن أدخل في سرد آثار التدخين المختلفة، فقد جفت الأقلام في الكتابة عنه، لكن ارتباطه بسرطان الثدي من جهة وازدياد عدد النساء المدخنات لأنواع التبغ المختلفة من سجائر وشيشة من جهة أخرى هو ناقوس خطر لأجيال المستقبل.

قلة ممارسة الرياضة تحدٍ آخر وعامل خطورة لم أكن أتوقع شخصياً أن يزيد من حدوث المرض. صحيح أن في الفترة الأخيرة قام عدد أكبر من النساء بالاشتراك في الأندية المختلفة ومسابقات الجري واللياقة لكن الجو العام وخصوصاً إذا ذهبنا لمدارس الإناث نرى العجب العجاب من جعل حصة الرياضة تحصيل حاصل. أما حركة النساء في البيوت فمع وجود الخدم فلا تعليق.

عامل خطورة ثالث هو السمنة. نتيجة طبيعية لقلة الحركة وخيارات الأكل الغريبة العجيبة. ولا ننسى دور العمل المكتبي وخدمة مواقف "الفالى" وتوصيل المنازل وإحضار الشاي "الكرك" للسيارة و و... من جعل أجسامنا تمقت الحركة وتكتنز الدهون في كل عضو.

إنجاب الأطفال في سن متأخر مع الاستطاعة رابع هذه العوامل. فقد لاحظت الكثير من الدراسات زيادة الإصابة بسرطان الثدي عند هذه الفئة من النساء. من عوامل الخطورة الأخرى عدم الاعتماد على الرضاعة الطبيعية. فقد بينت معظم الدراسات أن الرضاعة الطبيعية لمدة سنة على الأقل تقلل من نسبة اختلال خلايا الثدي والعكس صحيح. لن أدخل في مسببات ابتعاد النساء عن الرضاعة الطبيعية في مجتمعنا لكن لو فكرت كل واحدة في حكمة رب العالمين من إيجاد هذا العضو لكفى.

سواء أكان الفحص المبكر عن طريق الماموجرام أم الفحص الذاتي أم الموجات الفوق الصوتية الهدف الأساس هو الأخذ بالأسباب في الوقت المناسب واعتماد مبدأ الوقاية خير من العلاج ثقافة يومية بشرط ألا يصل لمرحلة الوسواس وإعادة الفحص كل شهر.

كلمة أخيرة للرجال. انتم ليس بمعزل عن اللون الوردي. فهناك نسبة ولو ضئيلة يصيب بها سرطان الثدي الرجال.

تمنياتي للجميع بالصحة والعافية وبنوم مليء بأحلام وردية.

 

Email