ضرب السفارة في دمشق لم يُغيّر موقف الصين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 30 سبتمبر 2013 عبّرت الصين عن صدمتها الكبيرة لضرب سفارتها في دمشق بقذيفة هاون ألحقت بعض الأضرار بالمبنى، وأصابت أحد العاملين المحليين في السفارة بجروح طفيفة. وأدانت الخارجية الصينية بشدة هذا الاعتداء وطالبت الأطراف السورية المتحاربة باحترام اتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية، وبتأمين سلامة جميع المنظمات وأفراد السلك الدبلوماسي في سوريا. وأكدت مُجدداً دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء كل أعمال العنف، والبدء بحوار وطني شامل.

جاء التعبير عن صدمة الصين عبر التذكير بالمواقف الإيجابية التي قامت بها لوقف الحرب الدموية في سوريا.

أولاً: لم تشجع الصين أياً من أطراف الصراع في سوريا على العنف، ولم تمد أياً منهم بالسلاح والذخيرة. ورحبت بقرار الأمم المتحدة وقرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن تدمير الأسلحة الكيميائية السورية. وما زالت تعارض بشدة أي تدخل عسكري خارجي.

ثانياً: تصر الصين على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي وقرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشكل كامل وبطريقة موضوعية وعادلة ومحايدة ومهنية. وتحث جميع الأطراف السورية على تقديم الدعم الكامل والتنسيق مع اللجنة الدولية، وترغب في إرسال خبراء للمشاركة في أعمالها وتقديم المساعدة المالية لها.

ثالثاً: تدعو الصين كافة الأطراف السورية إلى وقف أعمال العنف فوراً، على أن يبذل المجتمع الدولي جهوداً مشتركة لعقد مؤتمر جنيف الثاني باعتباره بداية عملية سياسية لنقل السلطة على أساس بيان جنيف الأول. وأبدت الصين استعدادها للعب دور إيجابي وبناء في الأمم المتحدة للمساعدة على تدمير الأسلحة الكيميائية في إطار حل سلمي للأزمة السورية. وعلى مجلس الأمن الدولي أن يظهر موقفاً موحداً وليس منقسماً تجاه هذا الحل السلمي.

ورحبت الصين بالاتفاق الأميركي الروسي للتخلص من الأسلحة الكيميائية. وهي تتطلع للعمل مع الولايات المتحدة على ضمان فاعلية هذا النمط الجديد في العلاقات الدولية القائم على نبذ الصراع العسكري، وإظهار الاحترام المتبادل والتعاون الإيجابي بين جميع الدول على قاعدة ضمان المصالح المشتركة.

رابعاً: تؤكد الدبلوماسية الصينية على أهمية الحلول السلمية لأنها تخلق فرصاً كبيرة للتعاون المشترك، وعلى بناء علاقات دولية جديدة تقوم على التعاون الإيجابي وليس على المواجهة والتهديد بالحرب. وهي تعلق آمالاً كبيرة على دور الأمم المتحدة في إطلاق هذا التعاون وتعزيزه على المستوى الكوني.

لذلك فوجئت الصين بتوجيه أحد أطراف الصراع الدموي في سوريا قذائف على سفارتها في دمشق. فهي ليست طرفاً في هذا الصراع، بل ترفض كل أشكال العنف والاقتتال بين السوريين، وتتمسك بوحدة سوريا أرضاً وشعباً. وأدانت بشدة التدمير المتواصل الذي أودى بحياة أعداد كبيرة من الأبرياء وتهجير ملايين السوريين. وتدعم الصين كل ما يساعد على تدمير الأسلحة الكيميائية في إطار اللجنة الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة، وتظهر الحرص الشديد على إيجاد تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية.

وقد دعت الصين إلى حل سياسي للأزمة السورية في إطار الأمم المتحدة، لأنه الوسيلة الوحيدة لحل دائم في سوريا وغيرها من الدول. وقد ازدادت فرص التسوية السياسية بعد موافقة سوريا على تدمير أسلحتها الكيميائية عندما نالت ضمانات من روسيا بحمايتها من أي ضربة عسكرية يقوم بها التحالف الأميركي الأوروبي- الإسرائيلي.

وبما أن أي ضمانة من دولة كبرى غير كافية لمنع انفجار الحرب المؤجلة حتى الآن، دعت الصين الى وقف فوري لإطلاق النار في سوريا بهدف تهيئة ظروف ملائمة لتدمير الأسلحة الكيميائية بشكل فاعل ونهائي، وعقد مؤتمر جنيف الثاني في أقرب وقت ممكن لضمان منع اندلاع الحرب في منطقة الشرق الأوسط في حال تعثر تدمير تلك الأسلحة لأي سبب كان.

بقي أن نشير إلى الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني (شي جين بينغ) بتاريخ 13 سبتمبر 2013 أمام قادة القمة الثالثة عشرة لمنظمة شانغهاي للتعاون الدولي. فقد أكد على أن بلاده تولي اهتماماً كبيراً بالوضع السوري. وهي تدعم جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار وإنهاء أعمال العنف، والبدء بحوار وطني يضم طرفي الصراع في سوريا للتوافق على حل سياسي للأزمة. وتبدي الصين استعدادها التام لدعم التواصل والتنسيق بين الأطراف السورية المعنية عن طريق مجلس الأمن الدولي.

رغم القذيفة التي سقطت على سفارة الصين في دمشق، ما زالت الدبلوماسية الصينية حريصة جداً على إيجاد حل سلمي للأزمة السورية. وهي ترى أن فرصة هامة ظهرت في الأفق لتخفيف حدة التوتر في سوريا بعد موافقة حكومتها على تدمير أسلحتها الكيميائية.

وتدعم الصين الحل السياسي والدبلوماسي للأسلحة الكيميائية السورية وإعطاء الفرصة لسلام دائم في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها. وهي تحترم خيارات الشعب السوري الحرة، وتعارض التدخل العسكري الخارجي في سوريا وغيرها من الدول وتطالب بفرض رقابة صارمة على مواقع كافة الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط، والسماح لمفتشي المنظمة الدولية بالوصول إليها وتدميرها بشكل نهائي. فالحل السياسي هو الطريق الوحيد للأزمة السورية وللأزمة الفلسطينية المزمنة.

ختاماً، كان موقف الصين من الأزمة السورية واضحاً ومبدئياً منذ البداية. فهي تعارض بشكل مطلق أي استخدام للأسلحة الكيميائية من جانب أياً كان، وتدين بشدة وجود ترسانة من اسلحة الدمار الشامل في سوريا أو في غيرها من دول الشرق الأوسط. وهي تعمل إلى جانب الدول الكبرى على قيام شرق أوسط جديد خالٍ من أسلحة الدمار الشامل. لذلك فوجئت بتوجيه القذائف على سفارتها في دمشق لأنها ليست مع أي من الأطراف العسكرية المتحاربة في سوريا. لكن التصويب على سفارتها بدمشق لم يُغيّر من موقفها بل استمرت ترفض بشدة الحلول العسكرية وتتمسك بالحلول السلمية.

Email