سوريا من لاعب إقليمي إلى ملعب دولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

طالما كانت سوريا منذ استقلالها حتى مطلع قرننا الحالي، لاعباً إقليمياً هاماً يحسب الجميع حسابه، ولم يكن أحد يستطيع أن يتجاهل سوريا عندما يخطط استراتيجيته أو يضع سياساته.

لقد تصدت سوريا للاستعمار الفرنسي لها وللبنان والبريطاني لفلسطين والأردن والعراق، فحارب شعبها الفرنسيين في الداخل وانتزع منهم الموافقة على عدة أمور هامة تؤدي لاستقلال سوريا وتحافظ على وحدة أراضيها، منها إفشال المخطط الفرنسي لتقسيم سوريا إلى أربع دويلات، واضطراره للرحيل منها بقوة السلاح، وقد دعمت سوريا قبل استقلالها ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق.

وأمدت قوات الثورة الفلسطينية الكبرى (1936) بالمال والسلاح والعون، وشاركت في حربي عام 1967 وعام 1973، وبقيت دائماً نصيراً للثورة الفلسطينية، وملجأ أميناً لمناضليها ومنظماتها، ورهنت سياستها الخارجية بموقف الدول الأخرى من القضية الفلسطينية.

قبيل لفظ الاستعمار البريطاني أنفاسه الأخيرة أسس حلف بغداد (بدعم أميركي) لفرض الهيمنة على الدول المتحررة في الشرق الأوسط بقوى محلية وإسلامية (تركيا، العراق، باكستان.. الخ) فتصدت سوريا لهذا الحلف بدعم مصري، رغم تهديدات الجيش التركي المباشرة، وتكالب القوى الأوروبية ضدها.

وتحريض فئات في الداخل السوري ضد النظام السياسي السوري التحرري والديمقراطي آنذاك، وخاصة ضد العلاقة التي أقامها مع مصر ومع الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية، وقد كُسر احتكار السلاح وتم الاستغناء عن السلاح الغربي وما يحيط به من إملاءات واستفزازات وشروط إذعان متعددة..

والتقت سوريا بذلك مع ثورة يوليو المصرية وشكلا معاً، بوحدتهما، رأس حربة لقوى التحرر في المنطقة، ثم سلمت الدفة لجمال عبد الناصر، الذي قاد نضال حركة التحرر العربية والإفريقية والآسيوية وساهم في تأسيس منظومة الحياد الإيجابي ثم منظومة عدم الانحياز، وكانت سوريا حليفاً لعبد الناصر، وشكلت مجالاً حيوياً لمصر وعمقاً إقليمياً هاماً، ولعبت دائماً دوراً محورياً في سياسة المنطقة.

وفي الخلاصة لم يكن بد لأي طرف سياسي دولي إلا أن يأخذ القدرات السورية والمواقف السورية باعتباره عندما يريد ملامسة شؤون المنطقة وشؤون أي من دولها، وتكرست السياسة السورية كمدافع عن حقوق العرب وحقوق الشعوب المتحررة الأخرى.

للأسف الشديد، كان النظام السياسي السوري طوال الأربعين عاماً الأخيرة يمارس السياسة العربية والإقليمية على حساب شعبه، يغطي بها عيوبه وظلمه لتثبيت نظامه وتقويته، واستغل هذه السياسة التي كانت تبدو متحررة وتدافع عن الحق العربي، فمارس اضطهاداً داخلياً لتعميق شمولية النظام، ومركزة السلطة مطلقة بيد الرئيس.

وعدم احترام القانون، وتحويل الدولة إلى دولة أمنية بالكامل، فانتشر الفساد والمحسوبية وعدم تكافؤ الفرص، وتم الاستيلاء على ثروة البلاد كلها بدون حق، وتلاشت الحريات.

وأُبعدت الديمقراطية من حياة الشعب السوري، وتم تزوير الانتخابات، فكانت مهزلة من ألفها إلى يائها، وهكذا قبضت السلطة ثمناً لسياستها الإقليمية التي سمتها مرة سياسة الصمود والتصدي..

وأخرى سياسة الممانعة، وأخذته مضاعفاً من الشعب السوري بإلغاء حرياته وحقوقه وهدر كرامته ومنعه من تقرير مصيره، وتحويله إلى دمى تتلاعب بها. وعندما انطلقت انتفاضة الشعب السوري تصرفت السلطة معه على أنه شعب رعايا لا مواطنين، فرفضت أي إصلاح للنظام السياسي ولم يخطر لها ضرورة أن يتشارك الشعب معها في السلطة والثروة..

ومارست أساليب العنف والقتل والتدمير، فتحولت الانتفاضة إلى ثورة، وانشق الجيش وحمل الناس السلاح، ثم استباحت السلطة شعبها وممتلكاته ودولته ووطنه، وأتيح المجال كي تتدخل دول أخرى في الشأن السوري وتقدم مساعدات مالية وتسليحية للداخل، وزاد الأمور تعقيداً أن الأزمة السورية انتقلت برمتها إلى خارج البلاد هي وظروفها وجميع مفرداتها، فتهمش الشعب السوري..

وصار متفرجاً، ووجدت الدول الأخرى وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا فرصتها، وأخذت تعمل لتحقيق مصالحها في المنطقة عن طريق التدخل بالشأن السوري، إلى أن وصل الأمر الآن إلى كارثة خلاصتها: أن الدول الأجنبية الكبرى تعمل لاستغلال الأزمة السورية لتحقيق مصالحها، ولا تهتم كثيراً بما يجري داخل سوريا من قتل وتدمير ومجاعة وتشريد، وأصبح الشعب السوري مشرداً لاجئاً مهجراً يتسول لقمة العيش..

ومازال الكل يلعب بالشأن السوري، الذي ينتظر دون أن يجد معيناً أو حلاً حقيقياً لأزمته، وهكذا فالكل يركض وراء مصالحه والشعب السوري (حمزة لابواكٍ عليه).أما أهل النظام فيبدو أنهم سيكتفون بحكم سوريا حتى لو كانت ملعباً لمن هب ودب، ويرددون ما قاله المستعصم عندما هاجمه المغول (إن بغداد تكفيني ولا يستكثرونها عليَّ).

 

Email