التضخم... أهم أولويات أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

فاجأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خلال الشهر الماضي الأسواق المالية بعدم الإعلان عن اتخاذ أي قرار فيما يتعلق ببرنامجه للتحفيز الاقتصادي، وذلك على عكس توقعات جميع المستثمرين في كافة أنحاء العالم.

ونتيجة لذلك فإن الجميع يفترض أن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل الاعتماد على سياسات التيسير الكمّي وسيستمر في شراء سندات بقيمة 85 مليار دولار بشكل شهري، وبالتالي فإن شيئاً لم يتغير! ولكن لا بد من التذكير بأن الاحتياطي الفيدرالي أعلن في وقت سابق عزمه البدء بخفض حجم برنامجه من شراء السندات بمجرد انخفاض معدلات البطالة إلى مستوى معيّن. وبالفعل فإن معدلات البطالة شهدت خلال الفترة الماضية تراجعاً كما أن نسبة النمو الاقتصادي كانت مثيرة للإعجاب، وبناء على ذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي دفع المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي إلى تغيير رأيهم؟

لقد جاءت بيانات التوظيف الخاصة بشهر سبتمبر مخيبة جداً للآمال كما أن بعض العلامات على تباطؤ النمو الاقتصادي بدأت تلوح في الأفق، ولذلك فإنه من الواضح أن لدى الاحتياطي الفيدرالي بعض المخاوف بشأن حالة الاقتصاد وفرص العمل. أعتقد أن الارتفاع الحاد في العوائد على سندات الخزانة الأميركية وفي بعض الدول الأخرى لاسيما في الهند والبرازيل ومنطقة اليورو وروسيا وغيرها تسبب ببعض القلق. إننا نعلم جميعاً أن الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر ضعيف جداً وهش تجاه أي تغيير كبير على مستوى معدلات الفائدة، والهند خير مثال على ذلك.

سيؤثر أي ارتفاع مفاجئ في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بشكل سلبي على سوق الإسكان في الوقت الذي بدأ يحقق فيه هذا القطاع نمواً ويساهم في نمو الاقتصاد المحلي. كما أن هذا الارتفاع في معدلات الفائدة سيؤثر على الإنفاق الاستهلاكي وذلك قبيل موسم التسوق خلال فترة الأعياد المقبلة في شهر ديسمبر.

منذ بدء الحديث عن خفض الاحتياطي الفيدرالي لبرنامجه للتحفيز الاقتصادي شهدت الأسواق عمليات بيع كبيرة للسندات ولعملات الدول الناشئة من بينها بعض الدول الكبيرة مثل الهند واندونيسيا والبرازيل. إنني شخصياً لن أتفاجأ في حال واجهت أي دولة من هذه الدول أزمة مالية في حال استمرت العوائد بالارتفاع.

وكما ذكرت في مقالاتي السابقة فقد كان الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نشطاً للغاية في تحفيز النمو الاقتصادي منذ بدء الأزمة المالية في عام 2008 وقد كان ناجحاً جداً في ذلك، بينما كانت اقتصادات بعض الدول الأخرى مثل منطقة اليورو تتخذ إجراءات معاكسة تماماً لإجراءات الفيدرالي الأميركي وأسفرت هذه السياسات عن ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير بالتزامن مع ضعف النمو الاقتصادي.

أما بالنسبة لاقتصادات الدول الناشئة فقد استفادت من الانخفاض الكبير في أسعار الفائدة الذي رافق العملات القوية. وقد تسببت هذه العوامل غير الصحية مجتمعةً في قلق كبير للجميع وأي قرار مبكر من الاحتياطي الفيدرالي بخفض برنامجه الشهري من شراء السندات سيؤدي بالتأكيد إلى أزمات دولية.

أعتقد أن على الدول كافة تركيز اهتمامها وجهودها على التضخم بدلاً من النمو الاقتصادي أو توفير فرص العمل. ليس لدى أكبر كتلتين اقتصاديتين في العالم وهما الولايات المتحدة ومنطقة اليورو مشاكل مع التضخم ولذلك عليهما مواصلة الاعتماد على سياسة معدلات الفائدة المنخفضة وأن تكونا أكثر نشاطاً في مجال التيسير الكمّي حتى يتحول النمو الاقتصادي إلى نمو ذاتي مستدام. ينبغي على المستثمرين الدوليين التركيز على الأصول التي تستفيد من وجود معدلات فائدة منخفضة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو ومحاولة تجنّب الاقتصادات الناشئة خلال الأشهر المقبلة.

Email