دبلوماسية الحل التوافقي للكيميائي في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 27 سبتمبر 2013، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 2118 حول سوريا. وهو الأول من نوعه بعد أزمة مستمرة منذ عامين ونصف، ويلزم النظام السوري بإزالة كامل أسلحته الكيميائية خلال عام واحد. وقد حذّر واضعوه جميع القوى السورية من أن عدم تنفيذ جميع بنوده يعرضها لعقاب المجتمع الدولي استناداً إلى الفصل السابع.

تبنى قرار مجلس الأمن توصيات المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بضرورة الإسراع في تفكيك البرنامج السوري الكيميائي وإخضاعه لرقابة صارمة. فترك ارتياحاً كبيراً لدى الرأي العام العالمي لأنه حمل المسؤولية مباشرة لكل من يستخدم السلاح الكيمائي في سوريا، من جانب النظام أو المعارضة. وأكد في ديباجته التزام المجلس القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية، واستقلالها وسلامة حدودها الإقليمية والدولية.

ورحب الأمين العام للأمم المتحدة بما أنجزه المجتمع الدولي تجاه الشعب السوري الذي انتظر طويلاً صدور مثل هذا القرار بعد أن دفع أكثر من 115 ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى، وملايين المشردين داخل سوريا وخارجها. وأعلن عن قرب انعقاد مؤتمر جنيف الثاني لاختبار الحل السلمي في سوريا قبل نهاية العام الجاري.

تجدر الإشارة إلى أن هذا القرار صدر بعد مفاوضات شاقة بين روسيا والولايات المتحدة. فشكل نصراً كبيراً للدبلوماسية على الحل العسكري. وبرز تعاون واضح بين أعضاء مجلس الأمن لما فيه مصلحة الشعب السوري وشعوب الشرق الأوسط.

وبات واضحاً أن التعاون الإيجابي هو افضل السبل لإزالة أسلحة الدمار الشامل في أماكن عدة من العالم ورحبت الصين ودول أخرى بالقرار الذي أخذ طريقه إلى التنفيذ الفوري بعد أن أظهر النظام السوري حماساً واضحاً للتخلي عن سلاحه الكيميائي المخزن بكميات كبيرة منذ ثمانينيات القرن العشرين. وقد وصف بأنه سلاح قديم بات يشكل عبئاً على سوريا دون أن تكون له فوائد استراتيجية كبيرة في المعارك العسكرية.

هكذا فتح القرار الأممي الطريق أمام النظام والمعارضة للعمل معاً على إيجاد حل سياسي للأزمة بمشاركة جميع القوى السورية المتنازعة في مؤتمر جنيف الثاني. وشكل مدخلاً لوضع حد لقتل السوريين الأبرياء، وتشريدهم من ديارهم، وإطلاق العملية السياسية عبر الاتفاق على حكومة انتقالية تحضر لانتخابات حرة وشفافة، وتحترم تضحيات الشعب السوري وتعبر عن رغباته المستقبلية في الوحدة والحرية والديمقراطية.

لقد وضع القرار الدولي القوى السورية المتحاربة أمام مسؤولياتها الوطنية والإنسانية. فوافق النظام السوري على تدمير أسلحته الكيميائية كخطوة أولى اتخذتها الدول الكبرى على طريق التخلص من اسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. فالقرار لا يقتصر على تدمير سلاح سوريا الكيميائي بل يتعداه إلى ضرورة التخلص من أسلحة الدمار الشامل في هذه المنطقة الغنية بالنفط وذات الحضور الفاعل في الاقتصاد العالمي، لكنها تعيش حالة حرب مستمرة منذ قرابة المائة عام.

وبات واضحاً أن الحل الوحيد للأزمة الراهنة في سوريا سيكون من خلال عملية سياسية شاملة بمشاركة السوريين أنفسهم وذلك وفق بيان جنيف الصادر في 30 يونيو 2012. فاستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا شكل تهديداً للسلام والأمن في العالم، وانتهاكاً للقانون الدولي. ذلك دعا القرار 2118 إلى تفكيكه وإخضاعه لرقابة صارمة، ومنع سوريا أو اية دولة أخرى من إنتاجه أو حيازته أو تخزينه أو الاحتفاظ به، أو نقل أسلحة كيميائية إلى دول أو جهات أخرى.

ودعا إلى يقظة قصوى لفرض حظر جدي وشامل لمنع أي طرف في سوريا من استخدام الأسلحة الكيميائية أو الاحتفاظ بها في المستقبل.

اليوم، يشارك فريق متقدم من موظفي الأمم المتحدة بأنشطة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سوريا، وينفذ توصيات صادرة عن الأمم المتحدة لتدمير الأسلحة الكيميائية فيها بشكل كامل ونهائي. بدورها، شاركت سوريا في إبرام اتفاقات ملزمة مع الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتخلص من سلاحها الكيمائي. وأكد مجلس الأمن استعداده للنظر فوراً في أي تقارير صادرة عن تلك المنظمة عند إحالة قضايا عدم الامتثال إلى المجلس.

وقررت الدول الأعضاء اتخاذ تدابير فورية رادعة ضد أي انتهاك للقرار من جهات تستخدم أو تمتلك أسلحة كيميائية.

ليس من شك في أن نجاح الدبلوماسية الدولية في تدمير السلاح الكيمائي السوري يساعد على عقد مؤتمر جنيف الثاني. فهناك توافق ضمني بين الدول الكبرى على جمع الأطراف السورية ودفعها للمشاركة بجدية في هذا المؤتمر بهدف إيجاد حل سلمي للأزمة السورية وفق رغبات السوريين أنفسهم.

على أن يلتزم ممثلوهم التزاماً تاماً بتنفيذ مقرراته لتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية في سوريا. ومن واجب الدول المجاورة لسوريا أن تبلغ مجلس الأمن بأي انتهاكات لهذا القرار الدولي فور حدوثها. وحظر على جميع الدول المجاورة شراء أسلحة كيميائية وما يتصل بها من معدات وسلع وتكنولوجيات، ومنع مواطنيها من الحصول عليها، أو استخدام سفن أو طائرات لنقلها من الأراضي السورية.

وفي حال عدم الامتثال لبنود القرار الخاص بمنع انتقال الأسلحة الكيميائية من سوريا دون علم مفتشي الأمم المتحدة، يتوجب على مجلس الأمن أن يفرض تدابير صارمة وعقوبات شديدة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ختاماً، شكّل القرار 2118 الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع مدخلاً عملياً لتفكيك ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية. وفتح الباب لعقد مؤتمر جنيف الثاني في أواسط نوفمبر 2013. ممل يعتبر انتصاراً كبيراً للدبلوماسية الدولية التي استطاعت الوصول إلى توافق صعب بعد أسابيع من المفاوضات الشاقة. فهل يستمر هذا التوافق الدولي فاعلاً لإنقاذ سوريا وكامل دول منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل؟ وهل تنجح الدبلوماسية التوافقية مجدداً في الانتقال من تدمير السلاح الكيميائي في سوريا إلى فرض رقابة صارمة على السلاح الكيميائي والنووي في إسرائيل؟

Email