سؤال الأسئلة الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد شهرين على استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية التي انطلقت مجدداً نهاية يوليو الماضي، إثر توقف دام لثلاث سنوات، تؤكد المعطيات من الجانب الفلسطيني أن النتيجة صفر. وخلال الانعقاد السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، ألقى كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، خطابين عكس الأول التزام الفلسطينيين بنهج المفاوضات وتحقيق السلام كأولوية مطلقة، لكنه حذر المجتمع الدولي من كارثة في حال فشلت المفاوضات.

وإذا كان الخطابان يعكسان فجوة كبيرة في اهتمامات وأولويات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بما يعكس الأزمة التي تعاني منها المفاوضات، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما تعمد الربط بين الملفين، إذ إن مسايرة إسرائيل في حماستها لوقف البرنامج النووي الإيراني مرهونة بتقدم عملية السلام، والعكس صحيح. ترتيب الأولويات على هذه الطريقة بالنسبة للأطراف الثلاثة ليس جديداً، فمنذ بداية ولايته الأولى عام 2008، طرح أوباما المسألة على النحو الذي ورد في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك فعل نتانياهو في حينه عندما أكد أولوية الملف النووي الإيراني على كل الملفات الأخرى، الأمر الذي أفشل مساعي الإدارة الأميركية آنذاك، ومبعوثها لعملية السلام جورج ميتشل.

في حديث متصل قدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري شهادة لصالح الفلسطينيين، كشفت عنها مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى نقلاً عن وقائع الاجتماع الذي جرى في نيويورك، وضم كيري وعباس. وبحسب تلك المصادر قال كيري خلال اللقاء "إن عباس قبل بدولة منزوعة السلاح، وأنه قبل أن يكون الانسحاب الإسرائيلي من فلسطين عند البدء بتنفيذ اتفاق سلام بالتدريج، حتى يطمئن الجانب الإسرائيلي". وأضاف أن "عباس يستطيع أن يذهب الآن وينضم إلى ثلاثة وستين مؤسسة دولية بدون عائق إذا أراد، مما كان سيشكل تحدياً كبيراً لإسرائيل وإمكانية عزلها دولياً، لكنه اختار أن لا يفعل ذلك من أجل إنجاح المفاوضات".

كيري اعترف أيضاً بأن عباس "قبل بالعودة للمفاوضات بدون الإصرار على وقف الاستيطان مسبقاً، ودخل المفاوضات رغم معارضة زملائه في القيادة". والسؤال هو؛ إذا كان هذا ما يقوله كيري في السر وفي الغرف المغلقة، فلماذا لا يعلن ذلك على الملأ؟ ولماذا لا تتحرك السياسة الأميركية لإنقاذ المفاوضات من الكارثة التي تنتظرها بعد سبعة أشهر أخرى؟ وربطاً بهذا السؤال، إذا كان الرئيس أوباما، خلال ولايته الثانية يضغط على اليد التي توجع إسرائيل حين يربط بين معالجة الملف النووي الإيراني وبين تقدم عملية السلام، فهل لدى إسرائيل ورئيس حكومتها النية لتعديل سياساتها بما يضمن نجاح المفاوضات والعملية السلمية؟

إذا كانت التحركات الملموسة على أرض الواقع تؤكد أن إسرائيل ماضية قدماً وعلى نحو متسارع، لتنفيذ مخططاتها التهويدية والاستيطانية، فإن ما يصدر عن أهم مسؤوليها، وما يطرح في أروقة المفاوضات، يؤكد أن لا الولايات المتحدة قادرة على تغيير السياسة الإسرائيلية، ولا المفاوضات يمكن أن تحقق أي اختراق في اتجاه تحقيق السلام.

على المستوى السياسي، أعلن نائب وزير الدفاع الإسرائيلي داني دانون لصحيفة فايننشال تايمز أول أيام هذا الشهر، أن "عملية السلام في الشرق الأوسط سيتم الاعتراف قريباً بأنها أصبحت في عداد الموتى".

دانون الليكودي، الذي تسلم مؤخراً في انتخابات داخلية رئاسة اللجنة المركزية يقول "في حال وصلنا إلى نقطة إبرام اتفاق يشمل التخلي عن أجزاء كبيرة من الأرض المحتلة، فسيكون علينا الذهاب لانتخابات عامة مبكرة بغض النظر عن النتائج". أما على صعيد المفاوضات، فقد أكد مصدر فلسطيني مطلع لصحيفة القدس العربي،أن خطة رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون باتت مطروحة على طاولة المفاوضات.

إسرائيل التي تواصل رفضها حدود 1967 أساساً للمفاوضات، ترفع شعارات: لا لتقسيم القدس، ولا لتفكيك المستوطنات، ولا لإزالة جدار الفصل العنصري، ولا لعودة اللاجئين، ونعم لاستمرار سيطرة إسرائيل على منطقة غور الأردن.

خطة شارون تقضي بالانسحاب من 42% من أراضي الضفة الغربية، كما أفاد هو عام 2001، وجاءت في سياق ماأسماه الحل المرحلي بعيد المدى، وهذا الحل يتطابق مع اقتراح حكومة نتانياهو، تحت عنوان "الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة". المصدر الفلسطيني المطلع ذاته، يقول إن ما يطرحه الإسرائيليون على طاولة المفاوضات، لا يؤدي إلى تحقيق السلام، لا بعد تسعة أشهر ولا بعد تسع سنوات.

هذا يعني أن الكارثة التي يحذر من وقوعها الرئيس محمود عباس، في حال فشل المفاوضات، واقعة فعلاً، الأمر الذي يوفر كل الظروف المناسبة لاندلاع انتفاضة شعبية ثالثة، يدعو لها ويحذر من اندلاعها الكثيرون. هل تندلع هذه الانتفاضة بدون توفر شرط الوحدة الفلسطينية، أم تتجاوز هذا الشرط في ظل استمرار حال الانقسام؟ وما هي البدائل التي تطرحها القيادة الفلسطينية لمواجهة التحديات الخطيرة التي تنتظرها ومعها الشعب الفلسطيني.. هذا هو سؤال الأسئلة؟

Email