هل حان الدور على السودان؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة أخرى نعود للقضية نفسها ولكن من خلال السودان هذه المرة. القضية ليست في خروج المتظاهرين إلى الشوارع وإعلان حقوقهم والتعبير عن احتجاجاتهم ورفضهم لرفع أسعار المحروقات مثلاً، أو المطالبة بتعديل أوضاعهم المتردية منذ قرون، ولكن لكيفية معالجة الأزمة. والظاهر أن السودانيين سيقعون في المطب المصري والسوري والليبي واليمني نفسه. لأنهم ينتمون إلى البيئة الطبيعية والسياسية والاجتماعية نفسها.

هناك داء مزمن في معدة معظم الدول العربية. والأطباء غير قادرين على تشخيصه. وإن نجحوا في تشخيصه يترك على ما هو عليه حتى يستفحل. والنهاية تكون .

كما حدث في غير السودان. مظاهرات وشغب وإحراق ممتلكات وتخريب وهياج يقابل بالقنابل المسيلة للدموع والعصي وأحياناً بالذخيرة الحية، بدلاً من إيجاد الحلول الفعلية. وما نراه اليوم في شوارع السودان ما هو إلا تشخيص لمجموعة أمراض مزمنة:

الأول يتلخص في أن الحكومة تعرف بأن هناك مشكلات عدة موضوعة أمامها على الطاولة منذ زمن طويل وليس لديها الحل مع أنه موجود تحت كل متر مربع من أراضي السودان الغنية بالتربة الخصبة والمياه الوفيرة، ولكن الحكومة مستمرة في اعتلاء الكرسي وغير مستعدة للتنازل عنه باعتبار أن الحاكم معين من قبل الرب وأنه معصوم، وبالتالي فإنه مقدس ولا يجوز المساس به وعلى المواطن رضي أم لم يرض أن يشرب من ماء البحر الأحمر.

الثاني هو أن المجموعات التي عادت تعلن على الطريقة التونسية والمصرية وغيرها عن تذمرها لم تتعلم من دروس هؤلاء ولا من أخطائها مع أنها سبقتهم في ذلك.

الثالث: أنه بمجرد ما أن يصبح الماء عكراً في إحدى عواصم الدول العربية حتى تتسلل العديد من الأيدي الأجنبية للصيد فيه وتوجيه الثورات الوطنية إلى ثورات تخدم مصالح دول أخرى ويختلط الحابل فيها بالنابل ويصبح قادة الثورة أول الخاسرين. وما أسهل ذلك عليهم في دول فقدت الشعوب مصداقية حكامها وأصبح الدولار للبعض أغلى من الوطنية.

المضحك في الأمر أن الحكومة السودانية ممثلة بالمتحدثين الرسميين لم يشاهدوا أو يسمعوا أو يقرؤوا بعد تصريحات المتحدثين باسم حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي وبشار الأسد وعلي عبدالله صالح قبل الإطاحة بهم جميعاً.

فهؤلاء المتحدثون الرسميون يكررون جمل التهديدات والوعيد نفسها. فها هو الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، يهدد ويتوعد المحتجين، بالضرب بيد من حديد، قائلاً: إنَّ «ما تمَّ في الشارع العام ليس من باب إبداء الرأي، بل عمليَّات نهب قام بتحريكها أفراد بعينهم». الكثير من الحكومات العربية تملك قوائم جاهزة بالتهم الصالحة لكل زمان ولكل حدث.

والمسألة الثانية هو وكما قلنا سابقاً إن أي حراك شعبي ضد أي نظام يحتاج إلى هدف وإلى تنظيم وإلى وسائل تحقق هذه الأهداف. وإلا فإن الفشل والفوضى هو النهاية الطبيعية له. ولا يعني أن الثورة الفرنسية نجحت في فرنسا عام 1789 أنها ستنجح في السودان. ويبدو أن الشعب السوداني ومن خلفه قوى المعارضة يفكر جدياً هذه المرة في إسقاط النظام الذي أصبح يحكم على طريقة الملك لويس السادس عشر قبل قرنين ونصف دون أن يقدر مدى كفر الجوع.

وفي نهاية الأمر ندعو السودانيين بالتريث وألا يفرحوا كثيراً بهذا الحراك الشعبي، إن لم يتعلموا من غيرهم ويبعدوا الأيادي الخارجية عن التسلل وسط غبار المعارك، وإلا فإنهم بعد أن خسروا جنوب السودان سوف يخسرون شماله وغربه! والقوى التي نجحت في فصل الجنوب عن الشمال قادرة على فصل شماله عن وسطه في خضم معارك الكر والفر التي بدأت تشهدها العاصمة الخرطوم والتي قد تمتد وتكبر لأبعد من ذلك، بعد أن يئس الشعب السوداني من كل شيء.

والخاسر الأكبر هو السودان الذي كان يعتبر أكبر دولة في أفريقيا.

 

Email