حتى لا يكون الربيع الفلسطيني دموياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشهد السياسي الفلسطيني العام وبالتفاصيل، يدعو إلى الاكتئاب والتشاؤم ومزيد من الإحباط، فوق الإحباط القائم أصلاً. وبغض النظر عن طبيعة التغييرات الجارية في المنطقة العربية، وخصوصاً في المحيط الملاصق لفلسطين التاريخية، فإن مصطلح الربيع، الذي يحضر بقوة على المستوى العربي، يكاد يغيب عن الوضع الفلسطيني.

نظرياً، يكثر الفلسطينيون من الخوض في تحليل المتغيرات العربية، لكنهم يندر أن يتحدثوا عن ربيع فلسطيني، تتعدد عناوينه وتتعقد آليات الاتجاه لتحقيقه. أين تكمن الأولوية بالنسبة للفلسطينيين؟ البعض يتحدث عن التخلص من الاحتلال، والبعض الآخر عن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وبعض ثالث ورابع يتحدث عن مجابهة المخططات الإسرائيلية التهويدية، التي باتت تهدد بتقسيم المسجد الأقصى على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل، أو مجابهة الاستيطان الذي يستشري كالسرطان في الأرض.

مقاومة الحصار المشدد على قطاع غزة، في ضوء المتغيرات التي وقعت في مصر، بعد 30 يونيو الماضي، يشكل عنواناً آخر، نظراً لما يقاسيه الفلسطينيون بعد هدم وتدمير نحو 95% من الأنفاق، وإغلاق معبر رفح، إلا ما ندر ولساعات محدودة يومياً، فيما آلاف الطلاب والمرضى وأصحاب الإقامات في الخارج، ينتظرون بلا طائل.

وبرغم أن التحولات الثورية التي وقعت في مصر مؤخراً، وقبلها خسارة حماس لتحالفاتها مع سوريا وحزب الله وإيران، وتراجع الدعم القطري، وضع الحركة وحكومتها في قطاع غزة أمام مفترق صعب، يلزمها بمراجعة سياساتها وحساباتها والتوجه بشكل جاد وحقيقي للخروج من هذه الأزمة، عبر الخيار الوحيد المتاح والأفضل وهو المصالحة، إلا أن الممارسات التي تظهر على السطح في غزة كما في رام الله، تشير إلى استمرار مفاعيل ومناخات الانقسام والعدائية.

في رام الله كما في غزة، هناك تعديلات وزارية على حكومات الأمر الواقع، التي يرفضها الفلسطينيون، فيما تستمر التصريحات النارية والاتهامات المتبادلة، ويستمر أيضاً كبت الحريات وقمع المعارضين.

يعتقد البعض بأن الأزمة التي تعاني منها حركة حماس، حيث أصبح قطاع غزة عبئاً عليها بدلاً من أن يكون ذخراً، سيجعل الحركة مضطرة لرفع الرايات البيضاء واستجداء المصالحة وتقديم التنازلات المطلوبة، على خلفية حماية الرأس، وأن حديث الحركة عن بناء شراكة مع الفصائل الأخرى لإدارة القطاع، هو مؤشر على حالة ضعف. والحقيقة أن حماس التي تجد نفسها في حالة عداء مع إسرائيل ومصر والسلطة، وفي ظل مناخات شعبية في القطاع على الأغلب لا تؤيد الحركة وتجربتها، حماس هذه مضطرة لإعادة النظر في سياساتها وتكتيكاتها، اليوم قبل الغد، حتى لا يصبح ثمن التغيير ضخماً حين يتخذه الآخرون.

وفي ظاهر الأمور، تبدو السلطة الفلسطينية التي تديرها حركة فتح في الضفة، مرتاحة للتغيير الذي وقع في مصر، وأنها تحظى باحترام النظام السوري، انطلاقاً من مواقفها إزاء ما يجري في سوريا، وأنها أيضاً تستعيد شكلاً معقولاً من أشكال العلاقة مع إيران وقطر، وأنها لا تقاسي آثار الحصار المفروض على القطاع، إلا أنها هي الأخرى ليست خالية الوفاض من الأزمات.

السلطة تعاني الأمرّين في مفاوضاتها مع إسرائيل، التي انطلقت منذ أكثر من شهر ونصف دون أن تحرز شيئاً، لا بل إن الوفد الإسرائيلي يصر على مناقشة ملف الأمن قبل كل الملفات الأخرى، خصوصاً ملف الحدود والقدس. وتشكو السلطة أيضاً من الاستفزاز الضخم والمتعمد الذي تقوم به إسرائيل على جبهة الاستيطان ومصادرة الأراضي، وإطلاق أيدي المستوطنين والمتطرفين اليهود ضد المزارعين وسكان القرى الفلسطينيين. على أن أخطر هذه الاستفزازات هو ما يجري في القدس، حيث اتخذت دوائر مسؤولة في الشرطة الإسرائيلية قراراً يجيز لليهود الصلاة في المسجد الأقصى، وتحت حماية الشرطة، وباعتبار ذلك حقاً لكل يهودي، بالإضافة لتزايد وتلاحق اقتحامات اليهود المتطرفين للمسجد وتدنيس باحاته، وأخيراً الدعوة التي أطلقها رئيس بلدية القدس لمليونية في "عيد العرش"، تتجه نحو المسجد الأقصى.

هذه الأوضاع تضع السلطة في خانة الاتهام بالفجر، وبأنها من خلال التزامها بمواصلة المفاوضات، تعطي لإسرائيل الغطاء الذي تحتاجه لكي تمعن في تنفيذ مخططاتها الإجرامية، التي ستؤدي إلى كارثة سياسية، على حد تعبير أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه.

في مواجهة هذه الأزمات والتعقيدات، وتعدد الأولويات إلى حد التوهان، كان الحراك الشبابي الذي انطلق في 15 مارس 2011، قد رفع شعار إنهاء الانقسام كأولوية، فجاءه الرد بالقمع، بذريعة أن الأولوية لإنهاء الاحتلال. الحراك الشبابي موجود لكنه بلا حراك، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يسمى "التمرد"، على غرار "تمرد مصر" الذي وجد له صدى في أكثر من بلد عربي.

وبخلاف "تمرد مصر"، الذي قام بنشاط شعبي مكشوف، يفضل "تمرد فلسطين" أن يعلن عن نفسه من خلال مؤتمر صحافي عبر شريط تم توزيعه على الإعلام، ومن خلال وسائل الاتصال الجماهيري الإلكترونية، مهدداً بالخروج يوم 11/11/2013.

العنوان الأولي لتمرد غزة، شاب غزي يسكن في رام الله، والناطق الإعلامي باسمه شاب موجود في النرويج، والوجهة هي غزة، بدعوى أن السلطة في رام الله أقل ظلماً كما صرح بذلك مسؤول تمرد، الذي قال أيضاً إنهم على علاقة مع "تمرد مصر".

ورغم صعوبة ظروف الفلسطينيين وظروف قطاع غزة على نحو خاص، حيث وجهة "تمرد" الفلسطينية، إلا أن حركة حماس لم تخف قلقها من أن تؤدي هذه الظاهرة إلى إشاعة الفوضى، إن لم يكن أكثر من ذلك، وبالتالي راحت تلاحق وتستدعي وتحقق مع المشتبه فيهم من الشباب، وتُتهم "تمرد" الفلسطينية مرة بأنها مدعومة من حركة فتح، وأخرى بأنها مدعومة من المخابرات المصرية.

أمام هذا الوضع المضطرب جداً، والذي ينذر بالمزيد من الأزمات والمزيد من الاحتقان الشعبي، جرت وتجري محاولات من قبل الفصائل وعدد من المستقلين في قطاع غزة، لإقناع حركة حماس بتقديم مبادرة شاملة، لم تزل قيد النقاش داخل الحركة، التي عليها أن تتقدم بجرأة نحو الأطراف الفلسطينية الأخرى، حماية للدم الفلسطيني، وحتى لا تتكرر مشاهد الصراع والعنف الذي يعاني منه معظم دول "الربيع العربي".

 

Email