تجارة الأديان

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقدم التجارات وأرخص العبارات، تبيع الفاني بالباقي، وتجعل المتصل منفصلاً، يصبح الغني فقيراً، ويكون الصادق كاذباً، وتسمي الأشياء بغير أسمائها هذه هي التجارة بالأديان.

أول من بدأ هذه التجارة هو أكبر عالم على وجه الأرض والخبير الأول بالديانات ودراستها بلا منازع، هل عرفت من هو؟! هذا هو البروفسور إبليس أول من قام بتجارة الدين مع بني البشر قبل أن تكون بين البشر والبشر بآلاف السنين. قال الشيطان {يآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ لْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى}.

قد سطر لنا القرآن الكريم هذه العملية الاقتصادية في التجارة لتكون درساً للبشرية حتى تتعظ لكن حقاً، سمي الإنسان من النسيان فما نكاد ندخل في تجارة أو شراكة حتى يظهر هذا الوحش مكشراً عن أنياب الطمع الذي بداخل كل شخص فينا. فصدقاً كما جاء في وصف الإنسان بمحكم التنزيل {وَإِنَّهُ لِحُبِّ لْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}.

فيمكننا القول اقتصادياً الشجرة هي شجرة الشريعة، هذه الشجرة محور العملية الاقتصادية التي خسر فيها أبونا آدم الجنة في عملية العرض والطلب على الخلود . الذي كان عبارة عن منحنى عرض غير حقيقي يتقاطع مع منحنى الطلب لبني البشر وهو الحب الشديد للخير وخاصة الخلود.

قد قدر الله عز وجل أن يجعل سبب نزول أبونا آدم للأرض هو هذه العملية الاقتصادية، حتى تكون مثالاً حياً قائماً في حياة ذريته وأحوالهم الاقتصادية، لتكون نبراساً لهم ليعلم أن كل من تعدى على شجرة الشريعة سوف ينال هذا المصير. وانه مهما يكون هناك منحنى عرض زائف قد يزينه لك إبليس فهو بسبب منحنى الطلب منك الذي سوف يحقق نقطة تعادل غير حقيقية لنقطة تقاطع منحنى العرض والطلب، هذه هي العلاقة الاقتصادية الخاسرة بين إبليس وبني آدم.

رغم هذا كله انتقلت التجارة بالأديان إلى بني البشر، والتي كما يظهر إلى اليوم انه لم يتعظ بني البشر من نتائج ما حدث لهم مع أبونا آدم فقد كانت هذه التجارة سبباً في طردنا من الجنة، فهي سبب كل خراب وشقاء وتعاسة. فوجدنا في بني البشر كيف جعلوا المعبد عبر مختلف العصور والحضارات يصبح يمثل لهم دخلاً اقتصادياً، وأيضاً كيف أصبح البشر ينصبون أنفسهم آلهة، ووجدنا في العصور المظلمة كيف كانوا يبيعون صكوك الغفران وأراضي في الجنة لمن يرغب في الشراء؟!

يذكر التاريخ أيضاً أمثالاً اقتصادية لهذا النوع من التجارة، مثلاً صناعة الآلهة كانت من التجارات الرائدة لأنه كان هناك طلب على تجارة الأصنام. يذكر أنهم كانوا يصنعون الصنم من التمر ويعبدونه وإذا جاع أحدهم أكله. أيضاً كان أهل مكة يمنعون في الجاهلية الحجيج من الطواف بالكعبة بالثياب التي قد جاؤوا بها من خارج مكة، فإما أن يشتري الحاج ثياباً من أسواق مكة أو يطوف بالبيت عرياناً.

أما التلامذة من بني البشر الذين كادوا أن يتفوقوا على أستاذهم بروفيسور إبليس، الذين كانت فيهم معظم رسالات السماء وأكبر عدد من الأنبياء والرسل. فكانوا عبر العصور لهم بصمات واضحه في التجارة بالأديان حتى قال فيهم ربنا عز وجل {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَمَ للَّهِ ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وقد بين الله تعالى في الكسب من هذا النوع من التجارة بأنه خسارة في قوله {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ لْكِتَبَ بِأَيْدِيهِمْ} أي مُخْتَلقاً من عندهم {ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ للَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} من الدنيا {فَوَيْلٌ لَّهُمْ مّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} قال الإمام القرطبي وصف الله تعالى ما يأخذونه بالقِلة؛ إمّا لفنائه وعدم ثباته، وإمّا لكونه حراماً؛ لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند الله.

ختاماً هناك مقولة تنسب إلى الفيلسوف والفقيه المالكي ابن رشد المتوفى 595 للهجرة، قال: "التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل".

 

Email