الجدولة بين الطالب والموظف

ت + ت - الحجم الطبيعي

اليوم كل شيء في حياتنا قد يكون جديدا.. فاليوم هو عام دراسي جديد، وعام عملي جديد، وعام تقييمي جديد.

اليوم يعود الناس إلى بدء عام جديد، كل في مجال عمله وتخصصه، بعد شهر ونصف من الإجازة براتب، وأكثر من ثلاثة شهور من الإجازة الدراسية، كانت كافية لاستعادة نشاطنا وحيويتنا التي تدنت في شهر مايو، وكادت تصل إلى الصفر في شهر يونيو.

ثم ماذا؟ وإلى ماذا؟ ماذا بالنسبة للموظفين المواطنين الذين أعطوا من وقتهم الكثير، لإنجاز الكثير من المعاملات التي تجعل دورة الحياة تسير بانتظام وبشكل طبيعي؟ معظم هؤلاء ينتظرون في نهاية كل شهر راتبهم الذي يتبدد قبل نهايته، وبعضهم يلجأ إلى الاستلاف من قريب أو الاقتراض من البنوك، وهي ظاهرة خليجية منتشرة بشكل كبير. نحن كرماء ولا نبخل على أنفسنا، حتى لو اضطررنا للاقتراض. لا أملك بيتا ولا أملك مشروعا، ولا أملك دخلا غير راتبي، ولكنني لا أقصر مع نفسي.

العام العملي الجديد يجب أن يكون مختلفا.. الشعوب التي تفوقت علينا هي تلك التي وضعت لها برنامجا وهدفا في الحياة. هل نجري نحو لا هدف؟ أو هدف من غير وسيلة؟ كل موظفينا يحلمون إما بسيارة جديدة، أو بيت جديد، أو تكوين أسرة، أو إدخال أطفالهم في مدارس خاصة راقية.. وكثير منهم تنقصهم الوسيلة، والكل يشتكي من عدم كفاية الراتب.

ماذا لو وضع الموظف العادي مع بداية كل عام عملي، مخططا لغاياته وكيفية تنفيذها؟ ما هو دخل الموظف الشهري؟ ما هي متطلباته الشهرية الأساسية بناء على راتبه؟ ما هو رصيده في كل شهر بعد خصم كافة المصاريف؟ كيف يؤسس مشروعه الخاص الذي يضاعف راتبه الذي يشتكي منه؟

يشتكي الكثير من المواطنين من عدم كفاية الراتب، وأنا أتساءل كيف تمكن بعض الجاليات غير المواطنة التي جاءت بحقيبة خالية وخرجت بحقيبة مليئة، اعتمادا على رواتبهم التي هي أقل تدنيا من الوصول إلى أعلى المراتب؟

هؤلاء خططوا لمصاريفهم على الورق ثم التزموا بها.. وضعوا عدة بنود وأمام كل بند رقم محدد. هذا الجدول أجبرهم على أن يكونوا ملتزمين بتحقيق كل غاية بدقة متناهية. أحد هؤلاء أخبرني بأنه وضع على سبيل المثال، بندا لمصاريف مشتريات الجمعيات التعاونية بتفصيل كامل لكل مستلزماته الشهرية، بما لا يتعدى مبلغ كذا شهريا، واضطرت عائلته مع أبنائه الخمسة للالتزام بذلك الجدول، لأنهم لن يحصلوا على أي تعديل عليه.

واضعا في حساباته تأمين مبلغ معين لشراء مركبة. بعد ثلاث سنوات استطاع أن يمتلك سيارته الصغيرة الخاصة، بعد أن اعتمد على مواصلات البلدية العامة.. وبعد خمس سنوات من العمل والعمل بعد الدوام، استطاع أن يمتلك شقته الخاصة به في إحدى المجمعات السكنية الراقية.

كيف حدث هذا في ثماني سنوات والمواطن ما زال منذ عشرات السنين ينتظر في طابور المنتظرين والمتألمين للحصول على قرض الإسكان أو فيللا جاهزة مؤثثة توضع بين يديه، ولولا كرم الدولة لظل على حاله؟! الدولة لن تبخل عليه بشيء ما دامت هي قادرة على ذلك.

ولكن أين هو عن إمكانياته حتى ولو كانت متواضعة؟ الحقيقة أنه لا ينقصه الراتب ولكن ينقصه تنظيم الراتب. يكفي أن تلقي نظرة على السيارات الفاخرة بقروض طويلة الأمد، أو على الأقل نظرة سريعة على عربات الجمعيات التعاونية الممتلئة بما يذهب معظمه إلى النفايات بعد انتهاء صلاحيته...

ولكن ماذا بالنسبة لطلبة المدارس والكليات والجامعات؟

هؤلاء ليسوا في حاجة إلى محاضرات في الرياضيات والجغرافيا والتاريخ فقط، وإنما قبل كل شيء في التنظيم والجدولة والهدف. إذا كانت المدارس غير قادرة على القيام بهذا الدور، فإن على الأسرة على الأقل تدريب أنفسهم وأبنائهم على هذا النمط من الحياة. هناك وقت للتعلم، وهناك وقت للأكل، وهناك وقت لعمل الواجبات، وهناك وقت للتسلية، وهناك وقت للنوم..

بعد ذلك سوف نخرج طلابا بنوا حياتهم على التنظيم وعلى الهدف، وسوف يؤدون مهامهم على أكمل وجه. ولن تجد بعد ذلك مواطنا يمد يده طلبا لمعونة أو بيت شعبي، أو قرض لشراء مركبة صغيرة.

وكل عام وأنتم بخير..

 

Email