إدارة المعرفة.. أدنوك نموذجا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يطلق مصطلح "إدارة المعرفة" على المنظومة الإدارية المتعلقة بتعليم وتدريب وتطوير الرأس المال البشري في شركات ومؤسسات القطاع العام والخاص. ومن خلال الإدارة الجيدة لهذه المنظومة يكتسب الموظفون المعارف والمهارات والكفاءات التي تساعدهم على أداء واجباتهم ومسؤولياتهم بحرفية ومهنية عالية.

تشمل "إدارة المعرفة" برامج التدريب الوظيفي وخطط التطوير المهني كما شهد عالم التجارة والاعمال مؤسسات جادة تبني المدارس والمعاهد بل و الجامعات في المجتمعات البشرية التي يعمل فيها التزاماً منها بالحس الوطني تجاه المسؤولية المجتمعية ورد الجميل لتلك المجتمعات.

 وهكذا تسعى المؤسسات الراقية إلى توفير فرص التعليم لتحقيق التميز في الأداء والجودة في المنتج وبالتالي خلق ثقافة مؤسسية متقدمة تأخذ العلم والتعلم منهجا ثابتا ومستمرا مدى الحياة وفي كافة مستوياتها التنظيمية عندها يطلق علماء الإدارة وخبراء الاقتصاد على هذه المؤسسات والشركات مسمى "المؤسسة المتعلمة" او مؤسسة "التعلم"The learning Organization ومن أشهر من كتب عن "إدارة المعرفة" عالما الإدارة بيتر دركر Peter DrunkerوبيترسنجPeter Singe وقد تحدث سنج في كتابه "البعد الخامس"Fifth Dimension بإسهاب عن "مؤسسة التعلم"

تطور مفهوم "إدارة المعرفة" منذ قرابة ثلاثة عقود خاصة بعد تتابع الحوادث والمأسي في منظمات ومؤسسات الأعمال في القطاعات المختلفة تكبدت بسببها كبرى الشركات العالمية خسائر بشرية ومادية هائلة. كما واكب ذلك تغيرات سريعة وتحولات كبيرة في بيئة العمل أثرت على القيمة التنافسية والجودة الانتاجية لتلك المؤسسات فكان لزاما عليها الارتقاء إلى المستوى التنافسي المطلوب لتبقى في حلبة السباق المهني بل وفي مقدمة الركب وهي تواجة التطورات التكنولوجية والتحولات التقنية الهائلة وثورة الاتصالات والمعلومات في بيئة أعمال لا تعترف إلا بالبقاء للأفضل.

أفرز كل ذلك استراتيجيات جديده ومفاهيم حديثة فيما يختص ببناء القدرات المؤسسية وتطوير القوى العاملة لأجل المحافظة على الرأس المال البشري الكفؤ والفعال فكان مفهوم "إدارة المعرفة" نتاجاً طبيعياً لمواجهة تلك التحديات.

بالإضافة إلى تنظيم فرص التعلم وكسب المهارات تهدف "إدارة المعرفة" إلى تشجيع "التفكير الجمعي" لدى أفراد المؤسسة وتوجيه إرادتهم وأفكارهم المتميزة تجاه تحقيق اهدافها الاستراتيجية كما تقوم "إدارة المعرفة" بالمحافظة على "المخزون الفكري"Think Tank والذي من خلاله يتم ابتكار مناهج إدارية فعالة وتقنيات تشغيل مبدعة تدعم القيمة السوقية للمؤسسة وتعزز مكانتها التنافسية.

إن إدارة "إدارة المعرفة" في المؤسسات الناجحة تقوم بتطوير "نظام الكفاءة الوظيفية" الذي من خلاله يتم تحديد الكفاءات المؤسسية والفنية والسلوكية والقيادية ثم تصويب خطط التطوير الوظيفي نحو بناء قدرات الرأس المال البشرية بحسب تلك الكفاءات، وفي هذا المقام يجدر الاستشهاد بتجربة شركة بترول أبوظبي الوطنية ادنوك في مبادراتها الرائدة في مجال "إدارة المعرفة"لتتحول إلى"مؤسسة تعلم " يشار إليها بالبنان محليا وفي المحافل الدولية.

تأسست شركة بترول أبوظبي الوطنية أدنوك عام1971. وهي تحتفظ اليوم برأس مال بشري قوامة 40 ألف موظف منهم 15 ألف مواطن يعملون في 14 شركة في مجال استكشاف وانتاج وتصنيع وتسويق النفط والغاز والبتروكيماويات إضافة إلى الخدمات الادارية والدعم اللوجستي لكل هذه الشركات.

التزمت الشركة بمنهج علمي متطور في إدارة المعارف وتدريب وتطوير قواها البشرية منذ تأسيسها. ففي عام1974 تأسس برنامج ادنوك للبعثات الدراسية وفق توجيهات سامية من القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله وطيب ثراه .

وفي عام 1978 تأسس معهد أدنوك الفني. يهدف برنامج البعثات إلى تخريج الجامعيين في تخصصات فنية وتقنية وإدارية كما يرفد المعهد الفني القطاع بالموارد البشرية المدربة للعمل كفني صيانة ومشغلين في حقول النفط ومصانع الغاز والبتروكيماويات.

وعندما تأسست جامعة الامارات العربية المتحدة عام 1977 بادرت أدنوك إلى ابتعاث طلبتها إلى الجامعة لدراسة التخصصات التي يحتاجها قطاعها الصناعي.

وفي عام 1986 تأسست الكليات التقنية يومها طورت ادنوك نظاما للإجازة الدراسية يهدف لتشجيع خريجي معهدها الفني للالتحاق بهذه الكليات لدراسة التكنولوجيا المرتبطة بصناعة النفط والغاز . ثم اتخذت ادنوك قرارا استراتيجيا حكيما عام 2000 في إنشاء المعهد البترولي ليصبح اليوم أحد أفضل المؤسسات الجامعية المتخصصة في الشرق الأوسط كله واسيا وافريقيا.

وفي عام2002 قدمت ادنوك للمجتمع برنامج "واحة المتميزين" مساهمه منها لتشجيع طلبة المدارس وطالباتها على دراسة المواد العلمية وتحقيق التميز فيها وليتخرجوا بنسب علمية مرتفعة تؤهلهم للقبول في المعهد البترولي. وفي سبتمبر من عام 2008 أسست ادنوك مدرسة "جليننج أبوظبي" لتصبح منارة علمية متميزة في منظومة التعليم العام في الدولة.

أما في مجال التطوير الوظيفي فقد كانت ادنوك سباقة في تبني نظام "الكفاءة المهنية" "Competency " في بناء قدرات موظفيها وإعداد قادتها الاستراتيجيين ومدرائها التنفيذيين .

حيث اعتمدت هذا النظام عام 1996 ثم طورته بعد سنتين إلى نظام "ضمان الكفاءة" Competency Assurance يقدم النظام منظومة متكاملة من المعارف والمهارات والسلوك المهني لكل الوظائف وفي كافة المستويات التنظيمية ضمن برنامج التعليم الذاتي، والتعليم المستمر والتعليم الإلكتروني وبرامج التأهيل الوظيفي وإعادة التأهيل من خلال دورات تدريبية متخصصة يتم ذلك كله وفق مؤشرات أداء محدده واختبارات قياس الكفاءة معتمدة وفق المعايير الدولية.

وكللت ادنوك جهودها في تطوير "إدارة المعرفة" بربط نظام" ضمان الكفاءة" بمخرجات التعليم في المعهد البترولي ومعهد ادنوك الفني ليكون مثالاً ناجحاً لارتباط قطاع التعليم باحتياجات القطاع الصناعي.

فكان من نتاج الادارة الفعالة "للمعرفة" ان تخرج آلاف الفنيين والتقنيين ومئات الجامعيين وحصل قطاع النفط و الغاز في بلادنا على قادته الاستراتيجيين و مدرائه تنفيذيين يديرون اليوم كل شركات النفط أو الغاز، وحقول النفط، مصانع الغاز والبتروكيماويات التابعة لشركة ادنوك بل واصبح من خريجي برنامج "ادنوك للبعثات" وزراء ورؤساء دوائر ووكلاء في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية وقاده لكثير من مؤسسات القطاع الخاص وهكذا تحولت ادنوك من شركة بترولية تقليدية إلى مؤسسة "تعلم" راقية ومعلما اقليميا متميزا ومرجعا لإدارة المعرفة.

كما توجد في بلادنا شركات ومؤسسات قدمت جهودا مشكوره في تعليم وتطوير مواردها البشرية سواء في قطاع الاتصال والطيران والسفر والسياحة وفي القطاع البنكي والعقاري ومع ذلك لا تزال شركات كثيرة ولا سيما في القطاع الخاص لا تأبه بذلك لتبقى في مؤخرة الركب.

فهل من مدكر؟؟

Email