ثوراتنا وقسمة الغنائم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يعرف هل هي مؤامرة دولية كبرى قديمة لتجنب عودة جيوش العالم الإسلامي لاكتساح العالم المسيحي؟ أم مخططات إقليمية محدودة بدأت تنقل إلى أرض الواقع لحماية دولة أصغر من عقلة الإصبع؟ أم هي فوضى عارمة ضخمة ظاهرة نتجت عن فوضى صغيرة غير ظاهرة؟ وما زلنا لا نعرف..

مخاض الصحوة العربية (أليس أفضل من شعار الربيع العربي الذي يرمز إلى الهدوء والرومانسية؟) أصعب وأكثر تعقيدا مما كنا نتخيل، ونتائجها المستقبلية تبدو كارثية لأبعد مما نتصور، وبراميل المتفجرات تزداد دويا يوما بعد يوم.

منذ النكسات المتلاحقة ووصول الأنظمة الديكتاتورية إلى كرسي الحكم (متى؟ هناك فرضيتان: إحداها تقول بحدوثها فورا بعد وفاة رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وما تبعها من إعدامات سريعة لإحكام قياد الشعوب، وأخرى تقول إنها بدأت بعيد سقوط آخر ملوك العرب في الأندلس، ومع هاتين الاثنتين نحن نقول ومع بداية الاستعمار الغربي لنا)، بدأت الدول العربية تمتلئ بطون قبائلها بتلك البراميل التي كانت تتضخم وتتضخم حتى انفجرت من بينها واحدة..

وإذا بالانفجارات تتوالى الواحد بعد الآخر.. وآخرها ذلك الانفجار الذي اهتزت له بيروت الخميس الماضي في معقل حزب الله، وخلف من القتلى ما كان يكفي لسهرة واحدة من الإدمان على إراقة الدماء.

في البدء تخيلنا ثوراتنا كباقي ثورات العالم، نتيجة طبيعية جدا تنفجر ضد جشع نظام حكم يبني قصوره وأملاكه من حجارة وممتلكات بيت المواطن البسيط. وفرحنا لتلك الثورات أيما فرح بعد أ ن فقدنا الأمل في التغيير، بل من العرب من رقصوا لتلك الثورات وهللوا لها.

ومن الأعداء من امتعض حسدا لهذه الصحوة، خشية أن تتحول الأمة العربية إلى أمة ديمقراطية تتقدم سريعا ومن ثم توقف غطرسة الغرب. بل إن شعوبا، ومنها شعوب دول غربية وشرقية ديمقراطية، حاولت محاكاة الثورات العربية، من خلال الخروج إلى الساحات العامة للمطالبة بحقوقهم.

لكن هذه الثورات العربية التي نجحت في إسقاط الدكتاتوريات فصفقنا لها وهللنا ورقص البعض لها، انتقلت في غضون أيام من ساحات الشوارع ضد الأنظمة البغيضة، إلى ساحات أقل اتساعا حيث اصطدم فيها أصحاب الثورة ومن تسلل بينهم لسرقتها، لاختلاف في الرأي وفي الهدف وفي اقتسام الغنيمة.

أما الرأي، فيحق لكل منا أن يصرح برأيه، شريطة أن لا يفرضه على من له رأي مغاير. وعندما يتحول الرأي إلى لزوم الرضوخ له بالإكراه وإلا خيار القتل، فهنا نعود مرة أخرى إلى ما هو أسوأ من النظام الذي تخلصنا منه، لنسقط فيما هو شر منه، ولا بد أن نعود لنقطة الثورة من جديد..

وهذا ما حصل في مصر. أما الهدف، فلا أحد يختلف على أن جميع أبناء الثورة ومن ساندهم من قريب أو بعيد، كان هدفهم هو إنقاذ الوطن والعمل على تقدمه، بعد أن فاتنا قطار التقدم بآلاف السنين الضوئية. غير أن الهدف لا معنى له إن لم نملك الوسيلة الصحيحة لتحقيقه.

وخطورة الوسيلة أكبر من الهدف، ليس لأنها قد تأخذنا إلى متاهات لا يعلمها إلا الله، بل لأنها قد تدمر ما كنا عليه وتعيدنا إلى الوراء آلاف السنين العلمية. فمن يعيدنا بعدها إلى أيام الدكتاتورية الأولى التي وفرت لنا الأمن والغذاء على حساب حرية الرأي؟ ألم يتحسر الكثير من المصريين (ومنهم الثائرون) على زمن حسني مبارك عندما وجدوا أنفسهم يقفون في طوابير لا تنتهي للحصول على ليتر من البنزين ثم لا يجدونه أو لعمل خسروه؟

أما قسمة الغنيمة، فهي عقدة الإنسان العربي. خذ أهل العربي وقبيلته وقايضهما بكرسي، باستثناء بعض الشرفاء، فإن أول ما يفكر فيه أحدنا هو كيف يلتهم الكعكة كاملة ويحرم منها غيره. إن قلب الأنظمة ليس كعكة نتسلى بها؛ إنه مصير أمة وشعب وتاريخ وحضارة. وغنيمة الثورة يجب أن تقسم بالتساوي بين أصحابها، وحتى مع من لم يشارك فيها. في الثورات العربية لم يتحقق أي من تلك الشروط: لا الرأي المتقبل للرأي الآخر، ولا الهدف الواضح، ولا كيفية توزيع الغنيمة. وأكلناها جميعاً..

 

Email