مصر ترفض الضغوط الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت مصر خلال الأسبوع الأول من أغسطس 2013 حركة وفود عربية ودولية مكثفة، وتجاوز بعضها الأعراف الدبلوماسية تحت ستار المشاركة في حل الأزمة بين الإدارة المصرية الجديدة وحركة الإخوان المسلمين، التي ما زالت ترفض أي حل قبل إعادة الرئيس المخلوع محمد مرسي إلى السلطة.

نشرت وسائل إعلام عربية عناوين بارزة تندد بتصريحات بعض قادة الوفود، التي أساءت إلى سيادة مصر وتصرفت معها وكأنها إحدى جمهوريات الموز الصغيرة. لكن مصر دولة مركزية ذات تاريخ موغل في القدم، وحضور فاعل على المستويين العربي والإقليمي، وبعد انتفاضة شعبها المستمرة منذ 2011، لم يعد في مقدور أي حكومة مصرية أن تتخذ موقفا يتعارض مع إرادة شعبها في التحرر من التبعية للخارج.

الثنائي الأميركي جون ماكين وليندسي غراهام، المعروفان بعدائهما الشديد للعرب وبانحيازهما التام إلى جانب إسرائيل، قدما إلى مصر باسم الرئيس الأميركي أوباما، لإجراء مفاوضات بين الحكومة والإخوان المسلمين.

واعترفا في مؤتمر صحفي في القاهرة بأن ما جرى في 30 يونيو 2013 لم يكن انقلابا عسكريا، وأن إدارة الرئيس السابق مرسي أدت إلى حشد ملايين المصريين ضده. مع ذلك، طالبا السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن قادة الإخوان وباقي السجناء السياسيين في مصر، قبل الدخول في أي مفاوضات، ما يؤكد أن الهدف الأساسي من الوساطة هو إظهار دعم الإدارة الأميركية للإخوان، وأنها لم تتخل عنهم، وتعمل بقوة لضمان موقعهم في العمل السياسي العلني، مع موافقتها الضمنية على القيام بأعمال عنف دموي لإضعاف النظام المصري وإلزامه بالاعتراف بالموقع المتميز للأميركيين في مصر، وبصفتهم الراعي الوحيد لعملية السلام في الشرق الأوسط.

ردّ محمد البرادعي، نائب الرئيس للعلاقات الدولية، على تلك التصريحات بإبراز أولويات الحكم المصري في تأمين حياة المصريين، والحفاظ على ممتلكاتهم، وحفظ الأمن والنظام والقانون، مع مراعاة نبذ العنف وحقن الدماء. وأكد على المضي قدما في إتمام المصالحة السياسية الشاملة، وتنفيذ خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية. وشدد رئيس الوزراء حازم الببلاوي على رفض تدخل أي دولة، مهما كانت، في شؤون مصر، وأن إتاحة الفرصة للآخرين كي يعرفوا الحقيقة لا تعني فرض رأيهم على المصريين.

بدوره، أكد الفريق أول عبد الفتاح السيسي على المضي في إنجاز عملية التحول الديمقراطي وفق الخطة المعلنة، ونبذ العنف، وتهيئة الأجواء لتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية، بمشاركة جميع الأطياف والقوى السياسية الفاعلة في مصر دون تمييز أو إقصاء لأحد.

وأشار السيسي إلى غضب المؤسسة العسكرية من تصريحات الأميركيين. فمصر ليست مستعمرة أو دولة صغيرة تابعة، والمؤسسة العسكرية المصرية ترفض كل الضغوط التي تتعرض لها من الغرب، وهي تسعى للخروج من الأزمة، ووعدت بعدم ملاحقة من يخرج من ساحات الاعتصام، إلا أنها لن تقبل بأي شروط مسبقة، ولا بعودة الرئيس المعزول مهما كانت الأسباب.

واستنكرت الرئاسة المصرية تصريحات موفدين من الخارج دون دعوة من حكومة مصر، واعتبرتها تدخلا سافرا وغير مقبول في سياسة مصر الداخلية والخارجية، وذلك لأسباب عدة:

1- أن أي مفاوضات جادة مع جماعة الإخوان، رهن بتخلي قادتها وأفرادها عن استخدام العنف ضد جيش مصر وشعبها، وأن الحوار الوطني الذي دعت إليه القيادة الجديدة يشمل جماعة الإخوان، لتسريع العملية الديمقراطية ومساعدة مصر على حماية أمنها واستنهاض اقتصادها.

2- أن سياسة التهديد التي أعلنتها الإدارة الأميركية بقطع المساعدات العسكرية عن الجيش المصري ومنع تسليم مصر الطائرات الحربية ردا على عزل مرسي، تعتبر خاطئة وغير مقبولة بالكامل، لأن المصريين يرفضون التبعية والضغوط الخارجية.

3- أن بعض التصريحات الأميركية الخرقاء تضمنت وقائع مزيفة ومرفوضة جملة وتفصيلا، وقد أظهرت فشل الوفود الأميركية والأوروبية في إقناع الإخوان بحل سلمي للأزمة.

4- يخشى الموفدون الدوليون فض الاعتصامات بالقوة وسقوط عدد كبير من الضحايا، بعد أن جمع أنصار مرسي العديد من النساء والأطفال في ميادين الاعتصام، وهناك تخوف من وجود أسلحة متنوعة لدى المعتصمين، فدعوا السلطات المصرية إلى ضبط النفس، والعمل على إقناع جماعة الإخوان وحلفائهم بفض الاعتصامات سلميا، والسعي لإشراكهم في الانتخابات التي وعدت بها الحكومة المؤقتة في 2014.

نخلص إلى القول إن مصر دولة مركزية كبيرة في الشرق الأوسط، وتحظى باهتمام كبير لأن ما يحدث فيها يؤثر سلبا أو إيجابا على جميع دول المنطقة وشعوبها، كما أن موقع مصر بالغ الأهمية في استراتيجيات الدول الكبرى تجاه منطقة الشرق الأوسط والصراع العربي/ الإسرائيلي.

من جانبها أعلنت منظمات "تمرد"، و"جبهة 30 يونيو"، و"شباب جبهة الإنقاذ الوطني"، رفضها التام لعقد صفقة سياسية مع جماعة الإخوان تتعارض مع طموحات الشعب المصري في تحقيق عدالة حقيقية، على أساس محاسبة عادلة لمن أخطأ أو أجرم في حق شعب مصر، أو شارك في إفساد الحياة السياسية فيها، وأكدت رفضها للتدخلات الخارجية، لأنها تتعارض مع إرادة شعب مصر وسيادتها. واستنكرت قوى أخرى زيارات ممثلي الإدارة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، والمقابلات التي يجرونها مع قادة الإخوان خارج السجون وداخلها، ورأت فيها محاولة مكشوفة لمنع شعب مصر من تحقيق إرادته.

ختاما، لقد فشلت الضغوط الأجنبية في تغيير القرار الوطني المستقل لحكومة مصر وشعبها. وتدرك قواها الوطنية أن الوفود الغربية إليها لم تأت للوساطة، بل لمعرفة مصادر قوة مصر بهدف ضربها والتآمر عليها. فشعب مصر يقوم بتحرك ثوري غير مسبوق في تاريخ العرب، وقد أصيب أصحاب المشاريع الشرق أوسطية بالهلع بعدما واجهوا إصرار المصريين على تصويب ثورتهم ومنع الإخوان من مصادرة أهدافها.

 وبدا واضحا أن الوسطاء الغربيين هم من المنحازين بالكامل إلى جانب إسرائيل، ويخشون توجيه المعركة ضدها. أما تحالف قوى التغيير مع الجيش الوطني فمنصرف بصلابة مقرونة بالحكمة، لحل الأزمة السياسية بكل الوسائل المتاحة، تمهيدا لإطلاق حركة تغيير جذري يمهد لنهوض اقتصادي وتنمية مستدامة في مصر.

Email