الأميركان والدفاع الشرس عن «الإخوان»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمكن أن تمر زيارة لنا إلى الولايات المتحدة، إلا ويسأل صحافيون وأساتذة جامعات وأعضاء في الكونغرس سؤالاً تقليدياً: لماذا لا نشعر بود من الشعب المصري تجاه واشنطن، رغم المساعدات والمعونات الأميركية لكم وهي بمليارات الدولارات؟!

نرد ببساطة: إسرائيل عائق صناعي، كما أن المصريين لم يشعروا بتأثير هذه المساعدات على حياتهم، لم يروا سداً عالياً جديداً عاون الأميركان في بنائه، ولا مصنعاً للحديد والصلب، ولا مجمع ألومنيوم كما فعل الروس مع جمال عبد الناصر، أنتم مشغولون بالمعونة التي تعود بالفائدة أولاً عليكم، وعلى شريحة بسيطة للغاية من المصريين تعملون على تجنيدها من أجل الدفاع عنكم، والمصريون حساسون جدا ويفهمونها وهي طائرة كما تقول أمثالهم، فلم تخدعهم كلماتكم، وكلما وقعت أزمة ولو صغيرة، هم الذين يطلبون الاستغناء عن هذه المعونات، قبل أن تهددونا أنتم بها.. وقطعاً أنتم أحرار في إدارة مصالحكم بطريقتكم، والمصريون أيضاً أحرار في التعبير عن أنفسهم.

ولم يكن أغلب المستمعين يستوعب هذا التفسير.. فأعلق قائلًا: هذه دائماً أزماتكم مع الدول ذات الحضارات القديمة!

يسألون: ماذا تعني؟ أجيب: لو تتبعتم الأزمات السياسية الكبرى التي وقعت فيها الولايات المتحدة منذ خروجها من عزلتها خلف المحيط الأطلسي مع بداية القرن العشرين، سنجدها دوماً مع دول ذات تاريخ حضاري طويل؛ الصين، مصر، إيران، الهند، اليابان.. فرنسا أحياناً، أما إنجلترا، فلا، لأن الإنجليز يعتبرون أميركا الفرع الذي تفوق على الأصل وصارت له قيادة العالم..

وهذه الدول لها مكونات إنسانية وتاريخية متنوعة جداً ومعقدة للغاية، وفيها قدر من التناقض بحكم تراكم خبرات وتجارب من حروب وغزوات وهجرات، وتبادل أنساب وثقافات لا مثيل لها في الدول الأحدث منها، رغم تراجعها الحضاري الحالي عن الغرب.

ونتصور أن الولايات المتحدة لم تفهم مصر بالقدر الكافي حتى الآن، رغم وجود علاقات استراتيجية ممتدة منذ عام 1974، أوقعت مصر في فخ "تبعية رسمية ونخبوية" نسبية لواشنطن، دون تبعية شعبية.

وهذا القصور في الفهم تعرى تماماً في الأزمة الأخيرة، التي صاحبت خروج عشرات الملايين من المصريين إلى الشوارع ضد الدكتور محمد مرسي وعزله من منصبه. فقد وقعت الإدارة الأميركية في حيص بيص، غير قادرة على اتخاذ قرارات بشأن الثورة الشعبية وتدخل الجيش لتنفيذ إرادة المصريين ضد حكم الإخوان.

وحاولت الولايات المتحدة إمساك العصا من المنتصف ما بين وزارة الخارجية والبنتاغون، وهما رافضان لوصف ما جرى في مصر بانقلاب عسكري، وبين المخابرات المركزية وأجنحة محافظة في الإدارة مصرة على أنه انقلاب عسكري كامل لا يجوز دعمه، فلم يتخذ الرئيس باراك أوباما قراراً نهائياً، وترك الأمور معلقة حتى يكتشف الخيط الأبيض من الخيط الأسود..

وقد انعكس هذا الارتباك على الوفود الأميركية التي زارت مصر بزعم أنها أتت لإيجاد حل سلمي للأزمة، يمنع فض اعتصامات الإخوان في رابعة العدوية والنهضة بالقوة، لما يترتب عليها من سقوط ضحايا وتهديد للسلم الاجتماعي.. فتباينت التصريحات ما بين الترحيب بتدخل الجيش، إلى توصيف هذا التدخل بأنه انقلاب كامل!

ولم تكن وفود الولايات المتحدة جادة في دعم مصالحة وطنية تستبعد العنف من المشهد المصري، بقدر ما كانت تفتش عن خرم إبرة تدفع منه جماعة الإخوان إلى سطح الحياة السياسية المصرية مجدداً، ودوام الاعتصامات الإخوانية، في جانب منه هو نوع من الانتظار حتى يعثر الأميركان على خريطة طريق لمستقبلها في مصر.

وعموماً، الإدارة الأميركية لم تفق بعد من الصدمة التي أحدثتها الجماهير المصرية في 30 يونيو، وقلبت بها تخطيطاً طويل المدى كان مرسوماً لمنطقة الشرق الأوسط، ولا يتغير جوهره سواء كانت الإدارة جمهورية أو ديمقراطية، لأنه مرتبط بمؤسسات وليس ببرامج سياسية. وكانت الولايات المتحدة تبحث عن حلول ناجعة للتعامل مع الإسلام السياسي وجناحه المتشدد والعنيف، تصد عنها وعن حلفائها في أوروبا أي عمليات عنف وإرهاب. في الوقت ذاته كان التنظيم العالمي للإخوان يمد حبال التواصل مع أجهزة مخابرات غربية، ويقدم الجماعة باعتبارها "الجناح المعتدل" القادر على احتواء كل التيارات المتشددة والعنيفة، بما لها من قواعد شعبية في كل الدول العربية تقريباً، ومن قدرة على حشد الجماهير خلفها. وراقت الفكرة للمخابرات المركزية، ووضعت سيناريو متكاملاً، لوجود الإخوان في السلطة، من تونس إلى مصر، ومن ليبيا إلى سوريا، ومن السودان إلى الأردن.. وجربت فعلياً الرئيس محمد مرسي في اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل، ونجح نجاحاً باهراً، فهو اتفاق غير مسبوق.

وبالتوازي خفت حدة التهديدات الإرهابية القادمة من الشرق للولايات المتحدة.. وفتح الإخوان سيناء وكراً للجهاديين، ليكونوا تحت الأعين المُتابعة والراصدة. وبسقوط مرسي، عادت التهديدات مرة ثانية وأغلق بعض السفارات أبوابها، فالإخوان نفذوا ما تعهدوا به، بينما فشل الأميركان في إبقائهم في السلطة..

فكيف يتخلى الأميركان عن الجماعة وهم لم يعثروا على البديل بعد؟!

Email