عندما تفلس العقول

تميز الانسان بالعقل عن سائر المخلوقات ، و تميز اهل العقل بين العقلاء بالحكمة ، وتميز اهل الحكمة بين الحكماء بالخبرة ، وتميز اهل الخبرة بين الخبراء بالعمل او ما يسمى الممارسة الميدانية.

فتجد الانسان يفقد الكثير من مزيته عندما يفلس عقله، فتجده يقوم بأعمال لا طائل لها ، ويقول كلاما لا فائدة منه ، ولا يعرف انه لا يعرف وهذا النوع من الناس تجده بكثرة لكنه غير مؤثر بشكل عام ، الا ان وجد في مناصب ادارية عليا يشعر العقلاء بالخلل.

نتكلم اليوم عن نوع من الشخصيات الادارية التي قد تواجهها في حياتك المهنية ، وباختصار هناك طريقان لتسلق السلم الوظيفي الطريق الاول هو بالعلم والعمل ، والطريق الثاني على أكتاف الآخرين.

جاء في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين أرى لهما بعدا إقتصاديا و إداريا في هذا الموضوع، حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح بن سليمان حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ).

 و حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين أمرنا يا رسول الله وقال الآخر مثله فقال إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه ).

ان يكون الرجل المناسب في المكان المناسب بدون حظوظ نفس و استشراف، هو القرار الذي قد يوفر على الشركة و الاقتصاد الكثير من النزيف الاقتصادي ، والخسائر الغير معقولة. اما بتركيز الحديث عن الصنف الثاني الا وهم المتسلقون، صادفنا البعض منهم خلال حياتنا المهنية.

سمات الشخصية المتسلقة، أولاً: قلة الخبرة فهو لا يعلم ولا يعمل الا بطريقة التجربة ، ثانيها: يعتمد على أشخاص او شخص معين هو الذي يقوم بالعمل له، ثالثا: لا يعرف معنى روح الفريق و طريقة العمل الجماعي. شاهدت عددا من هذه الشخصية بأشكال ومناصب وجنسيات مختلفة كلها تشترك و تتميز بالكثير من الذكاء الاجتماعي فقط .

الذكاء الاجتماعي يجعل من هؤلاء مقبولين و يساهم في حسن تصرفهم الصوري للمواقف لكن بغير إتقان ، فبقليل من الحكمة تجد كم هذه الشخصيات تعاني من الإفلاس. ولكن هذا الذكاء الاجتماعي يضمن له بعض الوقت حتى يتم اكتشافه على حقيقته، فكما قال جورج واشنطن تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت ، لكن لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.

أيضاً من سمات هذه الشخصية انها لا تستطيع ان تعيش بدون مشاكل ، فدائما هناك مشاكل وهو طبعا ابو الحلول يقوم بحلها. لكن بالإمعان في هذه المشاكل تجدها غير حقيقية او على اقل تعبير غير مؤثرة بشكل يتطلب خبراء لحلها فأغلبها لا يحتاج كثير خبرة او عميق علم، لكنها هذه الطريقة التي يأكل بها صاحب هذه الشخصية عيش.

طبعا فهو دائماً يتصنع المشاكل و يجعل نفسه بطل الحلول عند مسؤوليه ، طبعا هذا عندما تفلس العقول فلن تجد عنده إنجازات تقدم، ولا رصيد عمل حقق فيه نقلة نوعية للشركة، ولا مشاكل جوهرية قد تم اقتلاعها من الجذور حيث يشكل إنجازا إداريا يترتب عليه تقدم وتطور في أداء الشركات. هذه الشخصية متخصصة في نسب الإنجازات لها لكن بغير حق و في المقابل تتنصل من المسؤولية وقت حدوث الأخطاء .

هذه الشخصية تتسبب في بيئة عمل طاردة بشكل عام، وتجد في ظل إدارتها الكثير من التغيرات الادارية و الاستقالات وخاصة في الادارة العليا ، هذا طبعا يعكس فشل هذه الشخصية على المدى الطويل ان تكون شخصية قيادية فهي لا تضرب المثل لتكون بهذا المقام ، فكما قيل فاقد الشيء لا يعطيه.

الشخصيات التي من هذا النوع ، ليست صاحبة مبادئ او مواقف ، ولا تصدق مع نفسها ولا مع غيرها عادة . من اهم مكونات هذه الشخصية كثرة الحديث عن نفسها و تحميلها نجاحات لا تتحملها عشرة شخصيات مجتمعة فكيف بشخصية واحدة . هذه الشخصية تعرف ويميز سماتها الادارية الشللية الوظيفية في العمل، والتي قد تحدثنا عنها في مقال سابق.

اذكر خبرا منذ قرابة عشرة أعوام في جريدة الفينانشل تايمز تحكي قصة إثنين من احد كبار مدراء الشركات بعد التحقيق بسبب إفلاس الشركة الذي تسبب في زعزعة اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ، فخطت العنوان بالخط العريض و على الصفحة الأولى "من السجن الى المدرسة"، وكانت تعد هذه الشركة من احد اعرق واكبر الشركات العالمية ، و يشار لها بالبنان وكان كبار موطفيها مضرب الأمثال.

 

الأكثر مشاركة