العمل 8 ساعات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرون يعملون لساعات طويلة وكأنهم يحاولون إنهاء العمل بشكل نهائي، لكن العمل دورة حياة لا تنتهي، مثل التعلم وتحصيل المعرفة، ومثل الجوع والحاجة للراحة والنوم بعد يوم من التعب والإرهاق.

الذي يحدث أن الطموح وإنجاز المشاريع والبرامج في مواعيد محددة قصوى، لا تتناسب وساعات العمل المحددة للدوام والتي تتطلب ساعات عمل أكثر بكثير، ما يدفع الكثيرين للتضحية بأوقاتهم المخصصة للراحة، على حساب صحتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والأسرية، من أجل تحقيق النجاح.

وللأسف الشركات الكبرى تغض النظر وتشجع ضمنا موظفيها للعمل ساعات أطول، وتضرب عرض الحائط بصحة الموظفين وقوانين العمل التي تكفل حقوق العاملين الصحية والنفسية والمادية، ويتحايل الكثير من الشركات على تعويضات ساعات العمل الإضافي أو المكافآت، ما يدفعنا للتساؤل: هل نحن نعمل من أجل أن نعيش أم أننا أصبحنا نعيش من أجل أن نعمل؟

ينص قانون العمل الإماراتي على 8 ساعات عمل يوميا أو 48 ساعة أسبوعيا، ويجوز تمديد هذه الساعات إلى 9 يوميا بقرار من وزير العمل، وفي حال العمل الإضافي يجب دفع بدل 25% عن كل ساعة بحسب الراتب الأساسي، و50% إضافية لكل من يعمل يوم الجمعة، وأي خرق لهذا القانون يعرض جهة العمل لمخالفة قانونية.

هذا القانون مستمد من اتفاقية العمل الدولية، لكن السؤال: ما الهدف من تحديد ساعات العمل اليومية بالقانون؟ والجواب طبعا، الحد من استغلال العاملين ماديا ومعنويا حتى لا يتحول العمل إلى نوع من السخرة والاستعباد.

لكن هل تسديد تعويضات ومكافآت يكفي ليحل المشكلة؟ بالطبع لا، لأن صحة العاملين خاصة أثناء تأديتهم لأعمالهم، صارت على المحك رغم الحوافز المالية الباهظة التي تلجأ لها الشركات العابرة للقارات، أو حتى اللعب على وتر محافظة العاملين على وظائفهم في زمن صارت البطالة نتيجة مباشرة لتعثر الاقتصاد العالمي.

أين تقع الحدود الفاصلة التي تمكننا من أداء واجباتنا تجاه جهة العمل، دون التفريط في صحتنا أو حقوقنا المادية والمعنوية والأهم بحياتنا التي نعيشها مرة واحدة فقط؟

بينت دراسة أعدتها إحدى شركات الاستشارة في المنطقة، أن أكثر من 40% من العاملين في دول الخليج يعملون بمعدل 9 - 11 ساعة يوميا مقابل 38% عالميا، بينما يحمل 31% من هؤلاء العاملين أعمالهم إلى بيوتهم بمعدل 3 مرات أسبوعيا مقابل 43% عالميا، وكشفت الدراسة عن وجود ضبابية في الخط الفاصل بين وقت العمل ووقت المنزل، مما يعرض هؤلاء لمشاكل صحية عديدة، على رأسها أمراض القلب والصداع والتوتر والاكتئاب وشعور مزمن بالسخط والاستياء.

دراسة أميركية أشرفت عليها د. أندرياس هولتمان العام الماضي، بينت أن العمل لساعات تزيد على 45 ساعة أسبوعيا، يزيد من خطر الوفاة بنوبات قلبية مقارنة بمن يعملون 40 ساعة أو أقل.

وأكدت أن مزاولة التمارين الرياضية نصف ساعة لـ3 مرات في الأسبوع يقلص هذا الخطر، وأكدت دراسة بريطانية الشيء ذاته لكنها حددت الخطر بمن يعملون لأكثر من 10 ساعات، وأضافت انسداد الشرايين والسكتات الدماغية والأرق بنسبة 60% مقارنة بمن يعملون 7 ساعات يوميا.

صحيح أن العمل عبادة، لكن "كل شيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده"، خاصة أن دراسة بريطانية أكدت أن القدرات الاستنتاجية للعاملين تنخفض بقوة بعد 5 سنوات من العمل لأكثر من 55 ساعة أسبوعيا، وتسبب انخفاض مستوى الذكاء مقارنة بمن يعملون بمعدل 35-40 ساعة أسبوعيا.

ويعتبر شهر رمضان فرصة ذهبية لإعادة التوازن للإنهاك الذي يتعرض له الجسم خلال السنة، بسبب ساعات العمل الطويلة. الزيارات المجتمعية تلعب دورا هاما في خروج الفرد من دوامة العمل وإعطاء الروح حقها.

العمل التطوعي يساعد في إعادة البناء لخلايا الروح، وله مفعول السحر في إعادة شحن الطاقة الإيجابية، والتي بدورها تمتص صدمات العمل الإضافي.

مضافا لما ذكر التركيز على إعادة جدولة الأولويات اليومية والشهرية، سيساعد في تنظيم الوقت وإعطاء مساحة يومية كافية للدخول في أنشطة أخرى. ومما لا شك فيه أن التزامنا بحديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه، سيجعل من الـ8 ساعات كافية، حيث يقول نبي الرحمة "إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه".

Email