البعد الديمقراطي في حركة تمرد

ت + ت - الحجم الطبيعي

حاولت جماعة الإخوان المسلمين خلال السنتين الماضيتين التفرد بحكم مصر وأخونة الحياة الدستورية والسياسية والإجتماعية فيها. واستغلت المد الشعبي الذي رافق إنتفاضة 25 يناير 2011 لإجراء إنتخابات سريعة أوصلت الإخوان إلى حكم مصر .كانت الجماهير الشعبية آنذاك متعاطفة جدا مع التيارات الإسلامية التي شكلت قطب المعارضة الأساسي لحكم الرئيس مبارك.

سرعان ما فرضت إدارة الإخوان قيودا متزايدة على الحياة الديمقراطية في مصر،فانبرت القوى الشبابية المصرية للدفاع عن ثورتها، وبادرت إلى تشكيل حركة تمرد بالغة الإتساع،وعقدت ندوات ومؤتمرات وطرحت أفكارا جريئة تدعو إلى مواجهة فورية لحكم الإخوان المسلمين وباقي التيارات الأصولية لأن بقاءها في السلطة يعطيها فرصة لبسط نفوذها على مؤسسات الدولة واستقطاب الجماهير المصرية الفقيرة عبر شعارات شعبوية وتقديمات إجتماعية بسيطة.

تميزت «حركة تمرد» المصرية بالعمل التعبوي الناجح،وخططت لتحركات إحتجاج سياسية وثقافية فاعلة وغير مسبوقة.وقادت بجدارة معركة إسقاط الرئيس مرسي والتحضير لها عبر التواقيع المليونية والمظاهرات الحاشدة.ووصل تأثيرها إلى تونس حيث برزت حركة تمرد تونسية بدأت التحضير لإسقاط حكم التيارات الإسلامية التي تواجه صعوبة كبيرة في التوصل إلى دستور متقدم يرضي جميع القوى والتيارات السياسية والشبابية والنسائية والعمالية والثقافية في تونس بصفتها رائدة الانتفاضات العربية .

ما حدث في مصر منذ 30 يونيو 2013 يشكل نقلة نوعية في مسار الانتفاضات العربية التي إرتبك مسارها طوال السنتين الماضيتين. فما هي أبرز النتائج التي تولدت عن حركة تمرد مصر المستمرة بصلابة ؟

أولا: تم وضع الرئيس مرسي ومجموعة من قادة الإخوان المسلمين في الإقامة الجبرية. مما أسفر عن استنفار عام في شوارع مصر بين مناصرين للرئيس المخلوع، ومؤيدين لتصويب مسار الثورة في أكبر دولة عربية.وقادت دينامية الشارع المصري إلى مواقف متناقضة على مستوى الرؤية الثقافية والنضال من أجل إقامة دول عربية عصرية على أسس جديدة تتلاءم مع طبيعة عصر العولمة .

ثانيا: شكلت حركة تمرد مدخلا فاعلا لوقف أخونة الدولة المصرية.وهو حدث بالغ الأهمية يعيد لمصر موقعها الطليعي المغيب على المستوين العربي والإقليمي.مما استدعى موقفا أميركيا فجا ومتشددا حيث أصرت أميركا في البداية على وصف المد الجماهيري المصري بالإنقلاب العسكري.

وتردد استخدام هذا المصطلح في تصريحات الاميركيين والأتراك ودول أخرى .ودل على مدى الإرباك الذي أحدثته ثورة مصر الجديدة في تحالفات مصر السابقة، وأثرها اللاحق على مخططات أميركا في الشرق الأوسط. وتتخوف كل من الولايات المتحدة،وإسرائيل،وتركيا،ودول عربية من أن تعود مصر دولة قوية تشكل قاطرة لمشروع نهضوي عربي في مواجهة مشروع الشرق الاوسط الجديد،بقيادة أميركية إسرائيلية مشتركة.

ثالثا: فشلت خطة الإخوان المسلمين في إقتحام مقر الحرس الجمهوري بعد أن تسببت بمقتل أكثر من خمسين مصريا ومئات الجرحى من العسكريين والمدنيين.وفشلت معها وسائل إعلام عربية ودولية مدافعة عن شرعية حكم الإخوان، وتصف مساندة الجيش المصري لحركة التمرد الديموقراطي بأنه إنقلاب عسكري على الشرعية .

لكن الوثائق الدامغة التي قدمها الجيش المصري أثبتت بالدليل القاطع بطلان التهمة،وأدانت ما قامت به بلطجية الإخوان ضد الجيش الوطني الذي يلعب دورا بارزا في حماية وحدة مصر،ارضا وشعبا ومؤسسات، ويساعد على بناء نظام سياسي يعبر عن آمال المصريين في الحرية والديموقراطية.وباستثناء ما يبثه مناصرو شرعية الإخوان المنهارة ليس ما يثبت أن المصريين يتخوفون من تدخل الجيش المصري أو اعتباره انقلابا عسكريا .ولم يعلن الجيش حالة الطواريء أو يتخذ أي إجراء لمصادرة الديموقراطية والحريات العامة في مصر .

رابعا:بعد أن شهدت ميادين مصر ولادة حركة ديموقراطية جماهيرية تعمل بصورة منظمة على منع الإخوان المسلمين من الاستمرار في حكم مصر،إستقطبت حركة تمرد أنظار العالمين العربي والإسلامي.وشجعت قوى التغيير على الاستمرار في مواجهة قوى الإخوان التي ما زالت ترابط في شوارع،وتصر على عودة الرئيس المخلوع متذرعة بشرعية متهالكة، وتكرر يوميا الإساءة إلى الجيش المصري بأشكل مختلفة .

خامسا: نجح التحرك الديموقراطي المصري في إقناع الرأي العام العربي والعالمي بأن التمرد شكل نموذجا متقدما لديموقراطية غير مسبوقة في العالم العربي. وهي حركة سلمية ذات آفاق مستقبلية كبيرة.وتلعب وسائل الإعلام المتعاطفة معها دورا ملحوظا في حمايتها من التشويه، واستخدام تقنيات التواصل الحديثة لإظهار قدرى التحرك الديموقراطي السلمي على إدخال تغييرات هامة على النظم السياسية والحياة الثقافية في العالمين العربي والإسلامي.

سادسا: فشلت وسائل الإعلام المناصرة لحكم الإخوان المسلمين في إقناع العالم بتهمة إنقلاب عسكري يقود مدا جماهيريا ديموقراطيا يشارك فيه ملايين المصريين .وما زال شباب مصر مستفرين لحماية إنجازهم الرائد،وعلى إستعداد دائم للدفاع عن الحرية، والديموقراطية،والقيم الأخلاقية،وحقوق الإنسان.

وهم يرفضون حكم العسكر وكل أشكال التسلط المستند إلى قانون الطواريء.فعهد الإنقلابات العسكرية وما يرافقها من تدخلات خارجية قد إنتهى إلى غير رجعة.ويدرك المصريون جميعا ان التدخل الخارجي في شؤون مصر يفضي إلى حرب أهلية يشارك فيها أطراف من الداخل لتدمير بلدهم بدعم خارجي.

ختاما،قدمت المعارضة المصرية نموذجا يحتذى في التدرج من التخطيط النظري إلى إسقاط حكم الإخوان دون اللجوء إلى العنف.وقطعوا الطريق على بلطجية الإخوان المصرين على ممارسة القمع والإرهاب ضد المدنيين الأبرياء .مما دفع الجيش المصري إلى ردعهم بالقوة.

وساند شباب مصر على إنجاح نموذج متميز من المشاركة الشعبية الفاعلة لمنع إستمرار حكم الإخوان والبدء بتأسيس نظام سياسي جديد على أسس ديموقراطية.وقد عبروا عن وعي غير مسبوق في تاريخ مصر .

فدخلوا عصر العولمة كقوة حية وقادرة على إدخال تبدلات سياسية واقتصادية وثقافية بأسلوب ديموقراطي سليم.فشباب مصر يصنعون اليوم تاريخا مجيدا بأبعاد عربية وإسلامية ودولية. وهو تاريخ نوعي لم يكن من صنع وسائل الإعلام بل من صنع شعب مصر بأطيافه الديموقراطية المتنوعة، خاصة الشبابية منها.

Email