محاولة لفهم ما يجري في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما وقع في مصر يوم الثلاثين من يونيو الماضي وتتوج في الثالث من هذا الشهر، يعيد من جديد معظم التحليلات والتنظيرات التي رافقت ما يسمى مرحلة الربيع العربي التي بدأت بثورة الياسمين في تونس.

بين ربيع وخريف اختلف المحللون الذين ينتمون إلى التيار المدني بكل تفرعاته وصفاته، واتفق الذين ينتمون إلى الإسلام السياسي على أن ما يجري في المنطقة ينتمي إلى عصر الربيع الذي أنتج شتاءً إعلامياً يبشر بمرحلة نهوض للمشروع الإسلامي الذي سيحظى بقيادة مرحلة تاريخية من عمر الأمة العربية التي ستختفي لصالح الأمة الإسلامية على اعتبارات المشروع الإسلامي الذي يتخطى القطرية والقومية.

بعض أنصار تيار الإسلام السياسي اعتبروا أن حركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة عام 2007، قد شكلت رأس الرمح والقوة الطليعية التي دشنت عصر نهضة الإسلام السياسي.

ما جرى ويجري في مصر يفرض من الوقائع الضخمة ما يتطلب إعادة النظر في كل القرارات السابقة التي جاءت سواء من قوى التيار المدني أو التي صدرت عن منظري تيار الإسلام السياسي، لكن في كل الأحوال ينبغي توخي الحذر إزاء الخروج باستنتاجات نهائية وراسخة، طالما أن المنطقة لا تزال وستظل لفترة طويلة تعاني من حالة اضطراب شديد تتداخل في صياغة مآلاتها عوامل داخلية وخارجية نشطة.

حتى الآن يمكن القول إن الإسلام السياسي فشل في استثمار الفرصة التي انفتحت أمامه للتسيد على المشهد السياسي العربي، مثلما حركت ثورة الياسمين التونسية عوامل التغيير الموضوعي في عدد من البلدان العربية، فإن الثورة الثانية التي اندلعت في مصر في الثلاثين من يونيو تشكل عاملاً قوياً يحفز الشعوب التي شهدت ربيعها نحو العودة إلى الشوارع، للقيام بعمليات تصحيح لمسارات الثورات الأولى.

بعد نجاح الثورة المصرية الثانية، أخذت تظهر حركات تمرد مشابهة في تونس والمغرب العربي والسودان، وهي البلدان التي نجحت فيها قوى وجماعات الإسلام السياسي في الاستحواذ على الحكم، كما ألقى الحدث المصري بظلاله على الأحداث الجارية في سوريا الغارقة في بحر دماء أبنائها حتى اللحظة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن حركة حماس في قطاع غزة لن تكون بمنحى عن تأثيرات الحدث المصري الفخم الذي وقع في الجوار القريب.

بعد ثمانين عاماً من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، نجحت في أن تركب موجة الثورات العربية، وأن تتسلم السلطة في أكثر من بلد عربي من خلال صناديق الاقتراع، لكنها أيضاً وفي وقت قصير جداً، نجحت في إظهار ما ينطوي عليه حكمها من مساوئ، بالقدر الذي أدى إلى استفزاز وتحريك أوسع الفئات الشعبية ضدها.

في الواقع ما كان للجماهير التي خرجت إلى الشوارع العربية بحثاً عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أن تصبر أكثر على تجربة الإخوان المسلمين التي تميزت بجملة من الخصائص التي كانت تؤشر على نحو واضح، أن ما جرى لا يعدو كونه استبدال الإسلام السياسي باستبداد الأنظمة السابقة.

تميز حكم الإخوان خلال الفترة القصيرة التي تسيدوا خلالها المشهد السياسي العربي، بجملة من الخصائص أهمها أولاً الرغبة في الاستحواذ السياسي، والسيطرة على مفاصل الحكم في البلاد، وإقصاء الآخرين.

منذ الأشهر الأولى اشتكى حزب النور السلفي في مصر الذي تحالف في الانتخابات مع الإخوان المسلمين، من سياسة الأخونة، واستبعاد الشركاء حتى من التيار الإسلامي، الأمر الذي جعل الحزب يقف مع المطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة.

ثانياً: اعتمدت جماعة الإخوان سياسة التكفير وكأنهم يديرون جماعة وليس مجتمعاً يضج بالتنوع الاجتماعي والمذهبي والديني، فلقد استفزوا ملايين المسيحيين وملايين من يسمونهم بالفلول، بالإضافة إلى الملايين التي تنادي بإقامة المجتمع المدني، واعتبرت على أنها ثورة مضادة ومتآمرة على حكم الإخوان، والسؤال هل كان بوسع الجماعة أن تنهض بأعباء دولة كبيرة بحجم مصر فقط بالاعتماد على قواهم الذاتية؟

ثالثاً: لم يتقدم الإخوان في مصر بمشروع نهضوي واضح ومتبلور باستثناء ما ظهر من رغبة ومحاولات لأسلمة المجتمع المصري، ولم يتوفقوا في طرح الأولويات التي ينتظر الشعب حلولاً لها. في برنامج المئة يوم الأولى، تعهد الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي بإنجاز ثلاث مهمات، هي النظافة والمرور والأمن.

وبعد مرور عام على حكمه تفاقمت الأزمة المرورية وأزمة النظافة وأزمة الاضطراب الأمني، ولم يتم بعد ذلك تصحيح الأولويات، رغم ظهور أزمات جديدة تتصل بحاجات المواطن من أزمة الكهرباء إلى أزمة الطاقة والمحروقات، إلى أزمة التدهور الاقتصادي، وأزمة الغلاء، والبطالة، والفقر وانفجرت في وجه النظام أزمة نهر النيل، واضطراب الأمن في سيناء.

رابعاً: لم تتبدل سياسة النظام إزاء إسرائيل واتفاقيات كامب ديفيد، وإزاء العلاقة مع الولايات المتحدة وقوى الاستكبار العالمي كما يصفها الإخوان، واتضح أن ثمة تفاهمات جرت مع الإدارة الأميركية، تفرض على مصر التواصل مع سياسات نظام مبارك التي كان يرفضها ويقاومها الإخوان المسلمون، وكل ذلك بما يخدم أولوية السيطرة على الحكم.

خامساً: يكتشف المواطن المصري أن جماعة الإخوان يفتقرون إلى المصداقية، وأنهم سرعان ما يعودون عن مواقفهم وشعاراتهم وعلى نحو سافر، وأن سياستهم تتميز بالانتقامية والثأرية ضد معارضيهم، الأمر الذي يولد لدى المواطن والسياسي على حد سواء، شكوكاً إزاء مدى التزامهم بالديمقراطية وإزاء استعدادهم للتقيد بدورية إجراء الانتخابات وبقبول مبدأ التداول السلمي للسلطة.

ولقد اتضح سواء بالممارسة العملية، أو عبر التصريحات، أن جماعة الإخوان مستعدة لاستخدام كل الوسائل بما في ذلك العنف من أجل الاحتفاظ بسلطتهم، واسترجاعها، حتى لو كان ثمن ذلك الكثير من الدماء، والاضطراب الاجتماعي والأمني والاقتصادي، وحتى لو كان ثمن ذلك وحدة أراضي الدولة المصرية، وإذا كان ما أسلفنا يندرج في إطار محاولة فهم الجاري، فإن الأبواب ما تزال مفتوحة على غاربها نحو مرحلة تطول من عدم الاستقرار والاضطراب الذي ينطوي على تهديدات خطيرة للدولة العربية الأكبر.

Email